وقال الشيخ المفيد [قدس الله روحه] في كتاب " المسائل ": الحس كله مماسة ما تحس به المحسوس واتصال به أو بما يتصل به أو بما ينفصل منه أو بما يتصل بما ينفصل منه، وذلك كالبصر، فإن شعاعه لا بد من أن يتصل بالمبصر أو بما ينفصل منه أو بما يتصل بما ينفصل منه. ولو كان يحس به بغير اتصال لما ضر الساتر والحاجز ولما ضرت الظلمة، ولكان وجود ذلك وعدمه في وقوع العلم سواء. فإن قال قائل:
أفيتصل شعاع البصر بالمشتري وزحل على بعدهما؟ قيل له: لا، لكنه يتصل بالشعاع المنفصل منهما، فيصيران كالشئ الواحد لتجانسهما وتشاكلهما.
وأما الصوت فإنه إذا حدث في أول الهواء الذي يلي الأجسام المصطكة وكذا في ما يليه من الهواء مثله ثم كذلك إلى أن يتولد في الهواء الذي يلي الصماخ فيدركه السامع. ومما يدل على ذلك أن القصار يضرب الثوب على الحجر، فترى مماسة الثوب للحجر ويصل الصوت بعد ذلك. فهذا دال على ما قلناه من أنه يتولد في هواء بعد هواء إلى أن يتولد في الهواء الذي يلي الصماخ.
وأما الرائحة فإنه ينفصل من الجسم ذي الرائحة أجزاء لطاف وتتفرق في الهواء فما صار منه في الخيشوم الذي يقرب من موضع ذي الرائحة أدركه.
وأما الذوق فإنه إدراك ما ينحل من الجسم فيمازج رطوبة اللسان واللهوات ولذلك لا يوجد طعم مالا ينحل منه الشئ كاليواقيت والزجاج ونحوهما. والطعم والرائحة لا خلاف في أنهما لا يكونان إلا بمماسة. واللمس في الحقيقة هو طلب الشئ ليشعر به، وحقيقته الشعور. وهذه جملة على اعتقادنا وأبي القاسم البلخي وجمهور أهل العدل. وأبو هاشم الجبائي يخالف في مواضع منها.
وأقول: قال الحكماء [أيضا]: للنفس الناطقة قوى تشارك بها الحيوان الأعجم والنبات، وقوى أخرى أخص يحصل بها الادراك للجزئي، وهي قوى تشارك بها الحيوان الأعجم دون النبات، وهي الحواس الخمس الظاهرة والخمس الباطنة، ولها قوة أخرى من الأوليين لأنها تختص بالإنسان، وهي قوة يحصل بها الادراك للكلي.