والثانية التي تتصرف في المني فتفصل كيفياتها المزاجية وتمزجها تمزيجات بحسب عضو عضو، فتعين للعصب مثلا مزاجا خاصا، للشريان مزاجا خاصا وللعظم مزاجا خاصا، وبالجملة تعد مواد الأعضاء، وتخص هذه باسم المفصلة والمغيرة الأولى، تمييزا عن المغيرة التي هي من جملة الغاذية.
والثالثة التي تفيد تمييز الاجزاء وتشكيلها على مقاديرها وأوضاع بعضها عن بعض وكيفياتها، وبالجملة تلبس كل عضو صورته الخاصة به يستكمل وجود الأعضاء وهذه تخص باسم المصورة، وفعلها إنما يكون في الرحم - انتهى -.
وقال المحقق الطوسي - قدس سره -: والمصورة عندي باطلة، لاستحالة صدور هذه الأفعال المحكمة المركبة عن قوة بسيطة ليس لها شعور أصلا - انتهى -.
والغزالي بالع في ذلك حتى أبطل القوى مطلقا، وادعى أن الأفعال المنسوبة إلى القوى صادرة عن ملائكة موكلة بهذه الأفعال تفعلها بالشعور والاختيار، كما هو ظاهر النصوص الواردة في هذا الباب.
وقال الشارح القوشجي بعد إيراد الكلام المتقدم: يرد عليه أنا لا نسلم أن المصورة قوة واحدة بسيطة، لم لا يجوز أن تكون وحدتها بالجنس؟ كما أن المغيرة واحدة بالجنس مختلفة بالنوع. ولو سلم فلم لا يجوز أن يكون صدور هذه الأفعال عنها بحسب استعداد المادة؟ فإن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع في الأعضاء، ففضلة هضم كل عضو إنما تستعد لصورة ذلك العضو.
لكن الانصاف أن تلك الأفعال المتقنة المحكمة على النظام من الصور العجيبة والاشكال الغريبة والنقوش المؤتلفة والألوان المختلفة وما روعي فيها من حكم ومصالح لقد تحيرت فيها الأوهام، وعجزت عن إدراكها العقول والافهام، قد بلغ المدون منها - كما علم في علم التشريح ومنافع خلقة الناس - خمسة آلاف، مع أن ما لم يعلم منها أكثر مما قد علم، كما لا يخفى على ذي حدس كامل. كما لا يكاد يذعن العقل بصدورها عن القوة التي سموها " مصورة " وإن فرضنا كونها مركبة والمواد