والرياضيون ذهبوا إلى أنه بخروج الشعاع من العين على هيئة مخروط رأسه عند العين وقاعدته عند المرئي، ثم اختلفوا في أن ذلك المخروط مصمت أو مؤتلف من خطوط مجتمعة في الجانب الذي يلي الرأس متفرقة في الجانب الذي يلي القاعدة.
وقال بعضهم بأن الخارج من العين خط واحد مستقيم لكن يثبت طرفه الذي يلي العين ويضطرب طرفه الأخرى على المرئي فيتخيل منه هيئة مخروط.
والإشراقيون قالوا: لا شعاع ولا انطباع، وإنما الابصار مقابلة المستنير للعضو الباصر الذي فيه رطوبة صقيلة، فإذا وجدت هذه الشروط مع زوال المانع يقع للنفس علم حضوري إشراقي على المبصر، فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جلية. لكن المشهور من آراء الفلاسفة الانطباع والشعاع.
تمسك الأولون بوجوه: أحدها - وهو العمدة - أن العين جسم صقيل نوراني وكل جسم كذلك إذا قابله كثيف ملون انطبع فيه شبحه كالمرآة. أما الكبرى فظاهر وأما الصغرى فلما نشاهد من النور في الظلمة إذا حك المنتبه من النوم عينه، ولان الانسان إذا نظر نحو أنفه قد يرى عليه دائرة مثل الضياء، وإذا انتبه من النوم قد يبصر ما قرب منه ثم يفقده، وذلك لامتلاء العين من النور. وإن غمضنا إحدى العينين أتسمع مثقب العين الأخرى، فيعلم أنه يملؤه جوهر نوري. ولولا انصباب أجسام نورانية من الدماغ إلى العين لكان تجويف العصبتين عديم الفائدة.
وثانيها أن الإحساس بسائر الحواس ليس لأجل خروج شئ من المحسوس بل لأجل أن يأتيها صورة المحسوس، فكذا حكم الابصار.
وثالثها أن كون رؤية الأشياء الكبيرة من البعيد صغيرة لضيق زاوية الرؤية لا يتأتى إلا مع القول بكون موضع الرؤية هو الزاوية كما هو رأي أصحاب الانطباع لا القاعدة على ما هو رأي القائلين بخروج الشعاع، فإنها لا تتفاوت.
ورابعها أن من حدق النظر إلى الشمس ثم انصرف عنها يبقى في عينه صورتها زمانا، وذلك يوجب ما قلناه وخامسها أن الممرورين يرون صورا مخصوصة لا وجود لها في الخارج، فإذن