حصولها في البصر.
وأجيب عن الأول بأنه بعد تمامه لا يفيد إلا انطباع الشبح، وأما كون الابصار به فلا. وعن الثاني أنه تمثيل بلا جامع. وعن الثالث بأن كون العلة ما ذكرتم غير مسلم، كيف وأصحاب الشعاع يذكرون له وجها آخر. وعن الرابع بأن الصورة غير باقية في الباصرة بل في الخيال، وأين أحدهما من الآخر. وعن الخامس أنه إنما يدل على إثبات الانطباع في هذا النحو من الرؤية التي هي من قبيل الرؤيا ومشاهدة الأمور الغائبة عن الابصار بوقوع أشباحها في الخيال، ولا يدل على أن الابصار للموجودات في الخارج بالانطباع، وقياس أحدهما على الآخر غير ملتفت إليه في العلوم.
وتمسك القائلون بالشعاع أيضا بوجوه: أحدها أن من قل شعاع بصره كان إدراكه للقريب أصح من إدراكه للبعيد لتفرق الشعاع في (1) البعيد، ومن كثر شعاع بصره مع غلظه كان إدراكه للبعيد أصح، لان الحركة في المسافة البعيدة تفيد رقة وصفاء، ولو كان الابصار بالانطباع لما تفاوت الحال.
وثانيها أن الأجهر يبصر بالليل دون النهار، لان شعاع بصره لقلته يتخلل نهارا شعاع الشمس فلا يبصر، ويجتمع ليلا فيقوى على الابصار، والأعمش بالعكس لان شعاع بصره لغلظه لا يقوى على الابصار إلا إذا أفادته الشمس رقة وصفاء.
وثالثها أن الانسان إذا نظر إلى ورقة ورآها كلها لم يظهر له إلا السطر الذي يحدق نحوه البصر وما ذاك إلا بسبب أن مسقط سهم مخروط الشعاع أصح إدراكا.
ورابعها أن الانسان يرى في الظلمة كأن نورا انفصل عن عينه وأشرق على أنفه، وإذا غمض عينه على السراج يرى كأن خطوطا شعاعية اتصلت بين عينيه والسراج.
والجواب عن الكل أنها لا تدل على المطلوب، أعني كون الابصار بخروج الشعاع بل على أن في العين نورا، ونحن لا ننكر أن في آلات الابصار أجساما شعاعية مضيئة تسمى بالروح الباصرة، وإن أنكرها محمد بن زكريا زعما أن النور لا يوجد إلا في النار