ذلك قال: الروح مسكنها في الدماغ وشعاعها منبث في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السماء وشعاعها منبسط على الأرض، فإذا غابت الدارة فلا شمس، وإذا قطعت الرأس فلا روح. (1) بيان: " نور مركبة " أي مدرك ركب في هذا العضو وهو يدرك المبصرات، أم المدرك الروح وهذا منظره؟ واختار عليه السلام الثاني، ويدل على أن المدرك النفس وهذه آلاتها كما مر أنه المشهور. ويحتمل أن يكون المراد به الروح الحيواني بأن يكون المراد أن المدرك هو الروح الذي في العين لا نفس الضوء (2) فلا ينفي المذهب الآخر كما يومئ إليه قوله " الروح مسكنها في الدماغ " وهو يدل على أن محل الروح ومنشأه الدماغ كما قيل، وكأن النزاع لفظي، المراد هنا الروح النفساني النازل من الدماغ بتوسط الأعصاب إلى جميع البدن، ومنشأ الجميع القلب.
قال بعض المحققين: خلق الله سبحانه بلطيف صنعه جرما حارا لطيفا نورانيا شفافا يسمى بالروح البخاري، وجعله مركبا للنفس وقواها، وكرسيا لملائكتها حيا بحياتها، باقيا بتعلقها به، فانيا برحلتها عنه لا كسائر الاجرام التي تزول عنها الحياة وهي باقية، وبه حياة البدن من الواهب بواسطة النفس. فكل موضع يفيض عليه من سلطان نوره يحيى وإلا فيموت. واعتبر بالسدد، فلو لا أن قوة الحس والحركة قائمة بهذا الجسم اللطيف لما كانت السدد يمنعها، وقد يخدر العضو بالسدة بحيث لا يتألم بجرح وضرب، وربما ينقطع فتبطل الحياة منه، ولولا أنه شديد اللطافة لما نفذ في شباك العصب. ومن أخذ بعض عروقه يحس بجري جسم لطيف حار فيه وتراجعه عنه، وهذا هو الروح، ومنبعه القلب الصنوبري، ومنه يتوزع على الأعضاء العالية والسافلة من البدن، فما يصعد إلى معدن الدماغ على أيدي خوادم الشرايين معتدلا بتبريده فائضا إلى الأعضاء المدركة المتحركة منبثا في جميع البدن يسمى روحا نفسانيا، وما يسفل منه إلى الكبد بأيدي سفراء الأوردة الذي هو مبدأ