الثاني: أنها لو تعلقت بعد مفارقة هذا البدن ببدن آخر لزم أن يكون عدد الأبدان الهالكة مساويا لعدد الأبدان الحادثة، لئلا يلزم تعطل بعض النفوس، أو اجتماع عدة منها على التعلق ببدن واحد، أو تعلق واحدة منها بأبدان كثيرة معا لكنا نعم قطعا بأنه قد يهلك في مثل الطوفان العام أبدان كثيرة لا يحدث مثلها إلا في أعصار متطاولة.
الثالث: أنه لو انتقل نفس إلى بدن لزم أن يجتمع فيه نفسان: منتقلة، و حادثة، لان حدوث النفس عن العلة القديمة يتوقف على حصول الاستعداد في القابل أعني البدن، ذلك بحصول المزاج الصالح، وعند حصول الاستعداد في القابل يجب حدوث النفس، لما تقرر من لزوم وجود المعلول عند تمام العلة.
لا يقال: لابد مع ذلك من عدم المانع، ولعل تعلق المنتقلة مانع، وتكون لها الأولوية في المنع لها من الكمال.
لأنا نقول: لا دخل للكمال في اقتضاء التعلق، بل ربما يكون الامر بالعكس فإذن ليس منع الانتقال للحدوث أولى من منع الحدوث للانتقال.
واعترض: على الوجوه الثلاثة بعد تسليم مقدماتها: بأنها إنما تدل على أن النفس بعد مفارقة البدن لا تنتقل إلى بدن آخر إنساني، ولا يدل على أنها لا تنتقل إلى حيوان آخر من البهائم والسباع وغير هما على ما جوزه بعض التناسخية وسماه مسخا، ولا إلى نبات على ما جوزه بعضهم وسماه فسخا، ولا إلى جماد على ما جوزه آخر وسماه رسخا، ولا إلى جرم سماوي على ما يراه بعض الفلاسفة.
وإنما قلنا: بعد تسليم المقدمات، لأنه ربما يعترض على الوجه الأول بمنع لزوم التذكر، وإنما يلزم لو لم يكن التعلق بذلك البدن شرطا، والاستغراق في تدبير البدن الآخر مانعا، أو طول العهد منسيا. وعلى الثاني بمنع لزوم التساوي، وإنما يلزم لو كان التعلق ببدن آخر لازما البتة وعلى الفور، وأما إذا كان جائزا أو لازما ولو بعد حين فلا، لجواز أن لا ينتقل نفوس الهالكين الكثيرين، أو ينتقل بعد حدوث الأبدان الكثيرة. وما توهم من التعطيل مع أنه لا حجة على بطلانه فليس بلازم، لان