احتج الجمهور: بأن ما يعقل من النفس ويجعل لها حدا معنى واحد مثل الجوهر المجرد المتعلق بالبدن، والحد تمام الماهية. وهذا ضعيف، لان مجرد التحديد بحد واحد لا يوجب الوحدة النوعية، إذ المعاني الجنسية أيضا كذلك كقولنا: الحيوان جسم حساس متحرك بالإرادة. وإن ادعي أن هذا مقول في جواب السؤال بما هو عن أي فرد وأي طائفة تفرض فهو ممنوع، بل ربما يحتاج إلى ضم مميز جوهري. وقد يحتج بأنها مشاركة في كونها نفوسا بشرية، فلو تخالفت بفصول مميزة لكانت من المركبات دون المجردات. والجواب بعد تسليم كون النفسية من الذاتيات دون العرضيات: أن التركيب العقلي من الجنس والفصل لا ينافي التجرد ولا يستلزم الجسمية.
واحتج الآخرون: بأن اختلاف النفوس في صفاتها لو لم يكن لاختلاف ماهياتها بل لاختلاف الأمزجة والأحوال البدنية والأسباب الخارجية لكانت الاشخاص المتقاربة جدا في أحوال البدن والأسباب الخارجة متقاربة البتة في الملكات والاخلاق من الرحمة والقسوة والكرم والبخل والعفة والفجور وبالعكس، واللازم باطل، إذ كثيرا ما يوجد الامر بخلاف ذلك، بل ربما يوجد الانسان الواحد يبدل مزاجه جدا وهو على غريزته الأولى. ولا خفاء في أن هذا من الاقناعيات الضعيفة، لجواز أن يكون ذلك لأسباب اخر لا نطلع على تفاصيلها.
الثانية: تساوي الأرواح والأبدان. قال شارح المقاصد: كل نفس يعلم بالضرورة أن ليس معها في هذا البدن نفس أخرى تدبر أمره، وأن ليس لها تدبير وتصرف في بدن آخر، فالنفس مع البدن على التساوي، ليس لبدن واحد إلا نفس واحدة، ولا تتعلق نفس واحدة إلا ببدن واحد. أما على سبيل الاجتماع فظاهر، وأما على سبيل التبادل والانتقال من بدن إلى آخر فلوجوه:
الأول: أن النفس المتعلقة بهذا البدن لو كانت منتقلة إليه من بدن آخر لزم أن يتذكر شيئا من أحوال ذلك البدن، لان العلم والحفظ والتذكر من الصفات القائمة بجوهرها الذي لا يختلف باختلاف أحوال البدن، واللازم باطل قطعا.