ساوى الجزء الكل، وإن قوي على ما يتناهى تناهي الكل، لان نسبة الكل إلى الجزء معلومة، فيكون نسبة تأثيره إلى تأثير الجزء معلومة، ونسبة تأثير الجزء متناهية فنسبة تأثير الكل متناهية. قلنا: لا يلزم من كون تأثير الجزء أقل تناهيه، فإن الجزء المؤثر الدائم الأثر له تأثير دائم، ولا يلزم من دوامه مساواته الكل، لان له تأثيرا دائما لكنه ضعيف قليل لأنه واقف على حد.
قال جمهور الفلاسفة، ومعمر بن عباد السلمي من قدماء المعتزلة، والغزالي، و أبو القاسم الراغب، والشيخ المفيد، وبنو نوبخت، والأسواري، ونصير الدين الطوسي:
إنه جوهر مجرد عن المكان والجهة والمحل، متعلق بالبدن تعلق العاشق بمعشوقه، و الملك بمدينته، ويفعل أفعاله بواسطته، وإن النفس تدرك حقائق الموجودات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وإن النفس الفلكية تفيض على الاشخاص، كالشمس تدخل عند طلوعها كل كوة. بل قال الغزالي: لا هو داخل البدن ولا خارج عنه ولا متصل به ولا منفصل عنه، لان مصحح ذلك الجسمية والتحيز المنفيان عنه، كما أن الجماد لا عالم ولا جاهل، لنفي المصحح عنه وهو الحياة. قال: ومن نفاه نفاه لغلبة العامية على طبعه. ولهذا إن الكرامية والحنبلية جعلوا الا له جسما موجودا، إذ لم يعقلوا إلا جسما يشار إليه، ومن ترقى عن ذلك قليلا نفى الجسمية ولم يطق ينظر في عوارضها، فأثبت الجهة لله سبحانه، فإذا منعوا ذلك في صفات الله كيف يجيزونه في غيره؟! قالوا: لو تجرد شئ شاركه القديم في أخص صفاته فيشاركه في ذاته. قلنا:
نمنع كون التجرد أخص الصفات، بل كونه قيوما لقيامه بذاته وقيام غيره به.
احتجوا على اثبات المجرد بأن هنا معلومات بسيطة كالوحدة والنقطة، فالعلم بها بسيط، إذ لو تركب فإن تعلق جزؤه به أجمع ساوى الجزء الكل، ولزم وجود العلم قبل وجوده، وإن تعلق ببعضه لزم تركب ما فرض بساطته، وإن لم يتعلق بشئ ظهر أنه ليس بعلم، إذ الكلام في باقي الاجزاء كالكلام فيه، فعند الجمع بينهما إن لم تحصل هيئة جديدة كان العلم المفروض محض ما ليس بعلم، وإن حصلت الهيئة المفروضة علما فإن كانت من الجزئين فالتركيب في فاعلهما، وإن حصلت عند هما قائمة بهما فالتركيب