قلت: وهذه الحكاية سمعتها شفاها منه أعلى الله مقامه، ولم يكن هذه الكرامات منه ببعيدة، فإنه ورث العلم والعمل من عمه الأجل الأكمل السيد باقر القزويني خاصة السيد الأعظم، والطود الأشيم، بحر العلوم أعلى الله تعالى درجتهم، وكان عمه أدبه ورباه وأطلعه على الخفايا والأسرار، حتى بلغ مقاما لا يحوم حوله الأفكار، وحاز من الفضائل والخصائص ما لم يجتمع في غيره من العلماء الأبرار.
منها أنه بعد ما هاجر إلى الحلة واستقر فيها وشرع في هداية الناس وإيضاح الحق وإبطال الباطل، صار ببركة دعوته من داخل الحلة وأطرافها من الأعراب قريبا من مائة ألف نفس شيعيا إماميا مخلصا مواليا لأولياء الله، ومعاديا لأعداء الله.
بل حدثني طاب ثراه أنه لما ورد الحلة لم يكن في الذين يدعون التشيع من علائم الإمامية وشعارهم، إلا حمل موتاهم إلى النجف الأشرف، ولا يعرفون من أحكامهم شيئا حتى البراءة من أعداء الله، وصاروا بهدايته صلحاء أبرار أتقياء وهذه منقبة عظيمة اختص بها من بين من تقدم عليه وتأخر.
ومنها الكمالات النفسانية من الصبر والتقوى، وتحمل أعباء العبادة، و سكون النفس، ودوام الاشتغال بذكر الله تعالى، وكان رحمه الله لا يسأل في بيته عن أحد من أهله وأولاده ما يحتاج إليه من الغداء والعشاء والقهوة والغليان وغيرها عند وقتها، ولا يأمر عبيده وإماءه بشئ منها، ولولا التفاتهم ومواظبتهم لكان يمر عليه اليوم والليلة من غير أن يتناول شيئا منها مع ما كان عليه من التمكن والثروة والسلطنة الظاهرة، وكان يجيب الدعوة، ويحضر الولائم والضيافات، لكن يحمل معه كتبا ويقعد في ناحية، ويشتغل بالتأليف، ولا خبر له عما فيه القوم، ولا يخوض معهم في حديثهم إلا أن يسأل عن أمر ديني فيجيبهم.
وكان دأبه في شهر الصيام أن يصلي المغرب في المسجد ويجتمع الناس، ويصلي بعده النوافل المرتبة في شهر رمضان، ثم يأتي منزله ويفطر ويرجع ويصلي العشاء