فوصلنا إلى باب البلاد، وإذا بعسكر على سور البلد فنادوا من أين جئتم؟ وكيف وصلتم؟ ثم نظروا إلى سواد الزوار ثم قالوا سبحان الله هذه البرية قد امتلأت من الزوار أجل أين صارت عنزة؟ فقلت لهم: اجلسوا في البلد وخذوا أرزاقكم ولمكة رب يرعاها.
ثم دخلنا البلد فإذا أنا بكنج محمد آغا جالسا على تخت قريب من الباب فسلمت عليه فقام في وجهي فقلت له: يكفيك فخرا أنك ذكرت باللسان، فقال: ما الخبر؟
فأخبرته بالقصة، فقال لي: يا مولاي من أين لي علم بأنك زائر حتى أرسل لك رسولا وأنا وعسكري منذ خمسة عشر يوما محاصرين في البلد لا نستطيع أن نخرج خوفا من عنزة، ثم قال: فأين صارت عنزة؟ قلت: لا علم لي سوى أني رأيت غبرة شديدة في كبد البر كأنها غبرة الظعائن ثم أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة ونصف، فكان مسيرنا كله في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلا ثلاث ساعات ثم بتنا تلك الليلة في كربلا.
فلما أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض الفلاحين الذين في بساتين كربلا قال: بينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على فرس مطهم، وبيده رمح طويل، فصرخ فيهم بأعلى صوته يا معاشر عنزة قد جاء الموت الزؤام (1) عساكر الدولة العثمانية تجبهت عليكم بخيلها ورجلها، وها هم على أثري مقبلون فارحلوا وما أظنكم تنجون منهم.
فألقى الله عليهم الخوف والذل حتى أن الرجل يترك بعض متاع بيته استعجالا بالرحيل، فلم تمض ساعة حتى ارتحلوا بأجمعهم وتوجهوا نحو البر فقلت له: صف لي الفارس فوصف لي وإذا هو صاحبنا بعينه، وهو الفارس الذي جاءنا والحمد لله رب العالمين، والصلاة على محمد وآله الطاهرين حرره الأقل ميرزا صالح الحسيني.