في رأسها ثم نزعها وأدخلها في موضع آخر منها وولى مدبرا فماتت الحية في مكانها من وقتها، وحدث فيها عفونة كادت نفسي أن تطلع من رائحتها الكريهة فما كان بأسرع من أن ذاب لحمها، وسال في البحر، وبقي عظامها كسلم ثابت في الأرض يمكن الصعود منه.
فتفكرت في نفسي، وقلت: إن بقيت هنا أموت من الجوع فتوكلت على الله في ذلك، وصعدت منها حتى علوت الجبل، وسرت من طرف قبلة الجبل فإذا أنا بحديقة بالغة حد الغاية في الغضارة والنضارة والطراوة والعمارة فسرت حتى دخلتها وإذا فيها أشجار مثمرة كثيرة، وبناء عال مشتمل على بيوتات، وغرف كثيرة في وسطها.
فأكلت من تلك الفواكه، واختفيت في بعض الغرف وأنا أتفرج الحديقة وأطرافها فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البر قاصدي الحديقة، يقدمهم رجل ذو بهاء وجمال وجلال، وغاية من المهابة، يعلم من ذلك أنه سيدهم، فدخلوا الحديقة، ونزلوا من خيولهم وخلوا سبيلها، وتوسطوا القصر فتصدر السيد وجلس الباقون متأدبين حوله.
ثم أحضروا الطعام، فقال لهم ذلك السيد: إن لنا في هذا اليوم ضيفا في الغرفة الفلانية ولا بد من دعوته إلى الطعام فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت: اعفني من ذلك، فأخبر السيد بذلك، فقال: اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله، فلما فرغنا من الطعام، أمر باحضاري وسألني عن قصتي، فحكيت له القصة، فقال: أتحب أن ترجع إلى أهلك؟ قلت: نعم، فأقبل على واحد منهم، وأمره بايصالي إلى أهلي، فخرجت أنا وذلك الرجل من عنده.
فلما سرنا قليلا قال لي الرجل: انظر فهذا سور بغداد! فنظرت إذا أنا بسوره وغاب عني الرجل، فتفطنت من ساعتي هذه، وعلمت أني لقيت سيدي ومولاي عليه السلام، ومن سوء حظي حرمت من هذا الفيض العظيم، فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة.