له لحية خفيفة أم لم تكن، وأظن الأول.
فجعلت في نفسي أقول: ما الذي أتى بهذا البدوي إلى هذا الموضع؟ و يجلس هذا الجلوس العجمي؟ وما حاجته في الحرم؟ وأين منزله في هذا الليل؟
أهو من شيوخ الخزاعة وأضافه بعض الخدمة مثل الكليددار أو نائبه، وما بلغني خبره، وما سمعت به.
ثم قلت في نفسي: لعله المهدي عليه السلام وجعلت أنظر في وجهه، وهو يلتفت يمينا وشمالا إلى الزوار من غير إسراع في الالتفات ينافي الوقار، وجلست امرأة قدامي لاصقة بظهرها ركبتي، فنظرت إليه متبسما ليراها على هذه الحالة فيتبسم على حسب عادة الناس، فنظر إليها وهو غير متبسم وإلي ورجع إلى النظر يمينا وشمالا فقلت: أسأله أنه أين منزله؟ أو من هو؟
فلما هممت بسؤاله انكمش فؤادي انكماشا تأذيت منه جدا، وظننت أن وجهي اصفر من هذه الحالة، وبقي الألم في فؤادي حتى قلت في نفسي: اللهم إني لا أسأله، فدعني يا فؤادي وعد إلى السلامة من هذا الألم، فاني قد أعرضت عما أردت من سؤاله، وعزمت على السكوت، فعند ذلك سكن فؤادي وعدت إلى التفكر في أمره.
وهممت مرة ثانية بالاستفسار منه، وقلت: أي ضرر في ذلك؟ وما يمنعني من أن أسأله فانكمش فؤادي مرة ثانية عندما هممت بسؤاله، وبقيت متألما مصفرا حتى تأذيت، وقلت: عزمت أن لا أسأله ولا أستفسر إلى أن سكن فؤادي، وأنا أقرء لسانا وأنظر إلى وجهه وجماله وهيبته، وأفكر فيه قلبا، حتى أخذني الشوق إلى العزم مرة ثالثة على سؤاله، فانكمش فؤادي وتأذيت في الغاية وعزمت عزما صادقا على ترك سؤاله، ونصبت لنفسي طريقا إلى معرفته، غير الكلام معه، وهو أني لا أفارقه وأتبعه حيث قام ومشى حتى أنظر أين منزله إن كان من سائر الناس أو يغيب عن بصري إن كان الإمام عليه السلام.
فأطال الجلوس على تلك الهيئة، ولا فاصل بيني وبينه، بل الظاهر أن ثيابي