فينا المسلم واليهودي والنصراني، فقال: يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته. ويناظر المسلم عن مذهبه.
فوزن والدي عن خمس نفر نصارى: عنه وعني وعن ثلاثة نفر كانوا معنا ثم وزن تسعة نفر كانوا يهودا وقال للباقين: هاتوا مذاهبكم، فشرعوا معه في مذاهبهم.
فقال: لستم مسلمين وإنما أنتم خوارج وأموالكم محل للمسلم المؤمن، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم.
فضاقت بهم الأرض ولم يبق إلا أخذ أموالهم.
ثم قال لنا: يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم، حيث اخذت الجزية منكم، فلما عرف أولئك أن أموالهم معرضة للنهب، سألوه أن يحتملهم إلى سلطانهم فأجاب سؤالهم، وتلا: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ".
فقلنا للناخداه والربان (1) وهو الدليل: هؤلاء قوم قد عاشرناهم وصاروا رفقة، وما يحسن لنا أن نتخلف عنهم أينما يكونوا نكون معهم، حتى نعلم ما يستقر حالهم عليه؟ فقال الربان: والله ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه، فاستأجرنا ربانا ورجالا، وقلعنا القلع (2) وسرنا ثلاثة عشر يوما بلياليها حتى كان قبل طلوع الفجر، فكبر الربان فقال: هذه والله أعلام الزاهرة ومنائرها وجدرها إنها قد بانت، فسرنا حتى تضاحى النهار.
فقدمنا إلى مدينة لم تر العيون أحسن منها ولا أحق (3) على القلب، ولا أرق من نسيمها ولا أطيب من هوائها، ولا أعذب من مائها، وهي راكبة البحر، على جبل من صخر أبيض، كأنه لون الفضة وعليها سور إلى ما يلي البحر، والبحر يحوط الذي يليه منها، والأنهار منحرفة في وسطها يشرب منها أهل الدور والأسواق