العالم الحجة كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة عاشر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.
قال: كنا عند الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدم ذكرها، ونحن على طبقة، وعنده جماعة، فلما أفطر من كان حاضرا وتقوض (1) أكثر من حضر خاصرا، (2) أردنا الانصراف، فأمرنا بالتمسي عنده، فكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا أعرفه، ولم أكن رأيته من قبل، ورأيت الوزير يكثر إكرامه، ويقرب مجلسه، ويصغي إليه، ويسمع قوله، دون الحاضرين.
فتجارينا الحديث والمذاكرة، حتى أمسينا وأردنا الانصراف، فعرفنا بعض أصحاب الوزير أن الغيث ينزل، وأنه يمنع من يريد الخروج، فأشار الوزير أن نمسي عنده فأخذنا نتحادث، فأفضى الحديث حتى تحادثنا في الأديان والمذاهب ورجعنا إلى دين الاسلام، وتفرق المذاهب فيه.
فقال الوزير: أقل طائفة مذهب الشيعة، وما يمكن أن يكون أكثر منهم في خطتنا هذه، وهم الأقل من أهلها، وأخذ يذم أحوالهم، ويحمد الله على قتلهم في أقاصي الأرض.
فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه، مصغيا إليه، فقال له: أدام الله أيامك أحدث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أو أعرض عنه، فصمت الوزير، ثم قال: قل: ما عندك.
فقال: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، من مدينتنا وهي المعروفة بالباهية، ولها الرستاق الذي يعرفه التجار، وعدة ضياعها ألف ومائتا ضيعة، في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصي عددهم إلا الله، وهم قوم نصارى، وجميع