والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان القي فيه، فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلا صوته: يا حسين أتعجلت، بالنار قبل يوم القيامة؟ فقال الحسين عليه السلام: من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن؟ فقالوا: نعم، فقال له: يا بن راعية المعزى أنت أولى بها صليا، ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين عليه السلام من ذلك، فقال له: دعني حتى أرميه فان الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين، وقد أمكن الله منه، فقال له الحسين عليه السلام: لا ترمه فاني أكره أن أبدأهم بقتال (1) وقال محمد بن أبي طالب: وركب أصحاب عمر بن سعد، فقرب إلى الحسين فرسه فاستوى عليه، وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين عليه السلام: كلم القوم، فتقدم برير فقال: يا قوم اتقوا الله فان ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم؟ فقالوا: نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد، فيرى رأيه فيهم، فقال لهم برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاؤوا منه؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها، يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم، وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد، وحلأتموهم عن ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته، ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم.
فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول؟ فقال برير: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم إني أبرء إليك من فعال هؤلاء القوم اللهم ألق بأسهم بينهم، حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان، فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع برير إلى ورائه.
وتقدم الحسين عليه السلام حتى وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة فقال: الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال، فالمغرور من غرته