أن يشد في رجله حبل، ويسحب على وجهه في الأسواق، ثم يصلب في مجتمع الناس، ليكون عبرة لمن اعتبر، ولا يبقى أحد يذكر أهل البيت بخير أبدا وأما زيد المجنون فإنه ازداد حزنه واشتد عزاؤه وطال بكاؤه وصبر حتى أنزلوه من الصلب وألقوه على مزبلة هناك، فجاء إليه زيد فاحتمله إلى الدجلة وغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه، وبقي ثلاثة أيام لا يفارق قبره، وهو يتلو كتاب الله عند، فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع صراخا عاليا، ونوحا شجيا، وبكاء عظيما، ونساء بكثرة منشرات الشعور، مشققات الجيوب، مسودات الوجوه ورجالا بكثرة يندبون بالويل والثبور، والناس كافة في اضطراب شديد، وإذا بجنازة محمولة على أعناق الرجال وقد نشرت لها الاعلام والرايات، والناس من حولها أفواجا قد انسدت الطرق من الرجال والنساء قال زيد: فظننت أن المتوكل قد مات، فتقدمت إلى رجل منهم وقلت له:
من يكون هذا الميت؟ فقال: هذه جنازة جارية المتوكل وهي جارية سوداء حبشية وكان اسمها ريحانة، وكان يحبها حبا شديدا، ثم إنهم عملوا لها شأنا عظيما ودفنوها في قبر جديد، وفرشوا فيه الورد والرياحين، والمسك والعنبر وبنوا عليها قبة عالية فلما نظر زيد إلى ذلك ازدادت أشجانه، وتصاعدت نيرانه وجعل يلطم وجهه ويمزق أطماره، ويحثي التراب على رأسه، وهو يقول: واويلاه وا أسفاه عليك يا حسين أتقتل بالطف غريبا وحيدا ظمآنا شهيدا، وتسبى نساؤك وبناتك وعيالك، وتذبح أطفالك، ولم يبك عليك أحد من الناس، وتدفن بغير غسل ولا كفن، ويحرث بعد ذلك قبرك ليطفؤا نورك وأنت ابن علي المرتضى، وابن فاطمة الزهراء، ويكون هذا الشأن العظيم لموت جارية سوداء، ولم يكن الحزن والبكاء لابن محمد المصطفى قال: ولم يزل يبكي وينوح حتى غشي عليه والناس كافة ينظرون إليه فمنهم من رق له، ومنهم من جنى عليه، فلما أفاق من غشوته أنشد يقول:
أيحرث بالطف قبر الحسين * ويعمر قبر بني الزانية