بعد موسى ولا أوثقهم في نفسه ولا نائبه في العلم؟ فإنه لا يجد فصلا (1)، لأن هذه المنازل لهارون من موسى مشهورة، فإن جحد جاحد واحدة منها لزمه جحود كلها.
فإن قال قائل: إن هذه المنزلة التي جعلها النبي صلى الله عليه وآله لعلي إنما جعلها في حياته، قيل له: نحن ندلك بدليل واضح على أن الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله لعلي بقوله:
" أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " إنما جعله له بعد وفاته لا معه في حياته، فتفهم ذلك إن شاء الله، فمما يدل على ذلك أن في قول النبي صلى الله عليه وآله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " معنيين: أحدهما إيجاب فضيلة و منزلة لعلي عليه السلام منه، والآخر نفي لان يكون نبيا بعده، ووجدنا نفيه أن يكون علي نبيا بعده دليلا على أنه لو لم ينف ذلك لجاز لمتوهم أن يتوهم أنه نبي بعده، لأنه صلى الله عليه وآله قال فيه: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " وقد كان هارون نبيا، فلما كان نفي النبوة لابد منه (2) وجب أن يكون نفيها عن علي عليه السلام في الوقت الذي جعل الفضيلة والمنزلة له فيه، لأنه من أجل الفضيلة والمنزلة احتاج صلى الله عليه وآله (3) أن ينفي أن يكون علي عليه السلام نبيا، لأنه لو لم يقل: " إنه مني بمنزلة هارون من موسى " لم يحتج إلى أن يقول: " إلا أنه لا نبي بعدي " فلما كان نفيه النبوة إنما هو (4) لعلة الفضيلة والمنزلة التي توجب النبوة، وجب أن يكون نفي النبوة عن علي عليه السلام في الوقت الذي جعل الفضيلة له فيه مما جعل له من منزلة هارون، ولو كان النبي صلى الله عليه وآله إنما نفى النبوة بعده (5) في وقت - والوقت الذي بعده عند مخالفينا لم يجعل لعلي عليه السلام فيه منزلة توجب له نبوة - لكان ذلك من لغو الكلام (6)، لان استثناء النبوة إنما وقع