قال: فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه وبيده الرمح فجعل يضرب رؤوس أهل العراق بالقناة ويقول: سووا صفوفكم رحمكم الله حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله وأثنى عليه وقال:
الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه أقدمهم هجرة وأولهم إسلاما سيف من سيوف الله صبه الله على أعدائه فانظروا إذا حمي الوطيس وثار القتام وتكسر المران وجالت الخيل بالابطال فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة فاتبعوني وكونوا في أثري قال: ثم حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر.
قال: وخرج رجل من أهل الشام ونادى بين الصفين: يا أبا الحسن يا علي أبرز إلي فخرج إليه علي عليه السلام حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: إن لك يا علي لقدما في الاسلام والهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتى ترى رأيك؟ قال: وما هو؟ قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام.
فقال علي عليه السلام: قد عرفت ما عرضت إن هذه لنصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الامر وأسهرني وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم.
قال: فرجع الرجل وهو يسترجع وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف وعمد الحديد فلم يسمع السامعون إلا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق ومن