ثم إن معاوية ضاعف الفرائض والعطايا لعك والأشعريين وهم بذلوا جهدهم في القتال ووفا لهم بذلك فلم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية وشخص بصره إليه حتى فشا ذلك في الناس.
وبلغ عليا عليه السلام فساءه [ذلك] فقال المنذر بن أبي حميصة وكان فارس همدان وشاعرهم: يا أمير المؤمنين إن عكا والأشعريين طلبوا إلى معاوية الفرائض والعطاء فأعطاهم (1) فباعوا الدين بالدنيا وإنا قد رضينا بالآخرة من الدنيا وبالعراق من الشام وبك من معاوية والله لآخرتنا خير من دنياهم ولعراقنا خير من شامهم ولإمامنا أهدى من إمامهم فامتحنا بالصبر واحملنا على الموت.
فقال علي عليه السلام حسبك رحمك الله وأثنى عليه وعلى قومه خيرا.
ولما أصبح الناس غدوا على مصافهم ونادى معاوية في أحياء اليمن فقال علي عليه السلام يا آل همدان فأجابه سعيد بن قيس فقال له: احمل فحمل حتى خلط الخيل بالخيل واشتد القتال وحطمتهم همدان حتى ألحقوهم معاوية وأسرع في فرسان أهل الشام القتل وأثنى علي عليه السلام على همدان وقال:
أنتم درعي ورمحي يا همدان ما نصرتم إلا الله ولا أجبتم غيره.
فقال سعيد: أجبنا الله وإياك ونصرنا نبي الله صلى الله عليه وآله في قبره وقاتلنا معك من ليس مثلك فارم بنا حيث أحببت.
فدعا معاوية مروان وأمره أن يخرج فأبى ثم دعا عمرو بن العاص وأمره بالخروج فلما خرج لقيه الأشتر أمام الخيل فلما غشيه الأشتر بالرمح راوغه عمرو فطعنه الأشتر في وجهه فلم يصنع شيئا ولوى عمرو عنان فرسه وجعل يده على وجهه ورجع إلى العسكر.
فجاء ذو الكلاع إلى معاوية وقال: تولي علينا من لا يقاتل معنا؟ ول رجلا منا وإلا فلا حاجة لنا بك. فقال لهم معاوية: لا أولي عليكم بعد يومي هذا إلا رجلا منكم.