جبال تهامة يدك بعضها بعضا وانكسفت الشمس بالنقيع وثار القطام والقسطل فضلت الألوية والرايات (1) وأخذ الأشتر يسير فيما بين اليمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالاقدام على التي تليها فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل لم يصلوا لله صلاة فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره وافترقوا على سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة الهرير المشهورة وكان الأشتر في ميمنة الناس وعلي عليه السلام في القلب والناس يقتتلون ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى والأشتر يقول لأصحابه - وهو يزحف بهم نحو أهل الشام -: ازحفوا قيد رمحي هذا ويلقي رمحه فإذا فعلوا ذلك قال: ازحفوا قاب هذه القوس (2) فإذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس من الاقدام فلما رأى ذلك قال: أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم.
ثم دعا بفرسه وركز رايته وكانت مع حيان بن هوذة النخعي وسار بين الكتائب وهو يقول: ألا من يشرى نفسه لله ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أمر الله أو يلحق بالله؟ فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه فيقاتل معه.
443 - قال نصر: وحدثني عمر بن سعد عن أبي ضرار عن عمار بن ربيعة قال: مر بي الأشتر فأقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به فقام في أصحابه فقال: شدوا فداء لكم عمي وخالي شدة ترضون بها الله وتعزون بها الدين إذا أنا حملت فاحملوا ثم نزل يضرب وجه دابته وقال لصاحب رايته: أقدم فتقدم بها ثم شد على القوم وشد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى معسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا وقتل صاحب رايتهم وأخذ علي عليه السلام لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال.