المدينة: من كان عنده شئ من القرآن فليأتنا به، ثم قال: لا تقبل من أحد شيئا إلا بشاهدي عدل.
وهذا منه مخالف لكتاب الله عز وجل إذ يقول: * (لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله) * (1) فذلك غاية الجهل وقلة الفهم، وهذا الوجه أحسن أحوالهما، ومن حل هذا المحل لم يجز أن يكون حاكما بين المسلمين فضلا عن منزلة الإمامة، وإن كانا قد علما ذلك من كتاب الله، ولم يصدقا إخبار الله فيه، ولم يثقا بحكمه في ذلك، كانت هذه حالا توجب عليهما ما لا خفاء به على كل ذي فهم، ولكن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام قالوا:
إنهما قصدا بذلك عليا عليه السلام فجعلا هذا سببا لترك قبول ما كان علي عليه السلام جمعه وألفه من القرآن في مصحفه بتمام ما أنزل الله عز وجل على رسوله منه، وخشيا أن يقبلا ذلك منه، فيظهر ما يفسد عليهما عند الناس ما ارتكباه من الاستيلاء على أمورهم، ويظهر فيه فضائح المذمومين بأسمائهم وطهارة الفاضلين المحمودين بذكرهم، فلذلك قالا: لا نقبل القرآن من أحد (2) إلا بشاهدي عدل، هذا مع ما يلزم من يتولاهما أنهما لم يكونا عالمين بتنزيل القرآن، لأنهما لو كان يعلمانه لما احتاجا أن يطلباه من غيرهما ببينة عادلة، وإذا لم يعلما التنزيل كان محالا أن يعلما التأويل، ومن لم يعلم التنزيل ولا التأويل كان جاهلا بأحكام الدين وبحدود ما أنزل الله على رسوله، ومن كان بهذه الصفة (3) خرج عن حدود من يصلح أن يكون حاكما بين المسلمين أو إماما لهم، ومن لم يصلح لذلك ثم دخل فيه فقد استوجب