فلم يرضيا بالسكوت شفقة عليهم ورأفة بهم، أم كان ذلك لأمر (1) دنيوي، يعود نفعه إليهما، فمن رأى نفسه أعلم وأرأف من رب العالمين ومن رسوله الأمين (2) صلى الله عليه وآله الطاهرين، أو رد على الله وعلى رسوله، ولم يرض بقضائهما لغرض فاسد دنيوي، كيف يصلح أن يكون قائدا للأمة طرا وهاديا لهم إلى الرشاد؟! وقد قال سبحانه: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * (3) ولعل الناصرين لأبي بكر وعمر يرون رسول الله صلى الله عليه وآله مجتهدا في كثير من الاحكام كما يرونهما مجتهدين، ويجوزون مخالفته سيما فيما يتعلق بأمر الجيش وترتيب العسكر ولا يلتفتون إلى خلاف الله تعالى في ذلك، حيث جعل التقدم بين يدي رسوله صلى الله عليه وآله تقدما عليه. فقال: * (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله..) * (4).
فانظر بعين الانصاف في تعصب طائفة من علماء الجمهور وأئمتهم كالرازي والبيضاوي وغيرهما وبذل جهدهم في إخفاء الحق وستر عورات مشايخهم، فقد ذكر الرازي في تفسيره (5) في شأن نزول الآيات عدة وجوه لم يسندها إلى رواية صحيحة أو كتاب معروف، ولم يذكر نزولها في أبي بكر وعمر مع وجوده في صحيح البخاري - الذي يجعلونه تاليا لكتاب الله سبحان، ويرون مؤلفة أوثق الناس وأعد لهم -، وكذا في غيره من صحاحهم كما سبق، فذلك إما لعدم الاطلاع على ما في هذه الكتب، وكفى به شاهدا على جهلهم وقلة إحاطتهم بأخبارهم وأمور دينهم، أو لان سنتهم إخفاء الحق واطفاء نور الله بأفواههم فتعمدوا في ستر ما لا يوافق آراءهم ويستلزم القدح في مشايخهم وأسلافهم، وقد