كما كان دأب أجلاف العرب وطغامهم (1) في مخاطبة بعضهم بعضا عن حبط الأعمال من حيث لا يشعران، وفيه دلالة على أنهما لم يقتصرا على رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وآله في مخاطبة أحدهما للآخر بل خاطباه بصوت رفيع من دون احترام وتوقير، ثم حصر الممتحنين قلوبهم للتقوى في الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: * (لهم مغفرة وأجر عظيم) * (2) تنبيها على خروجهما عن زمرة هؤلاء.
وقد ظهر لذي فطرة سليمة أن ترك ابن الزبير ذكر أبي بكر - عند حكايته عن عمر بن الخطاب انتهاؤه عن هذه الوقاحة الشنيعة، مع أن أبا بكر كان جدا له، واهتمامه بتزكيته كان أشد من اعتنائه بشأن عمر بن الخطاب -، دليل على عدم ظهور آثار المتابعة والانقياد عنه كما ظهر عن عمر، فكان أغلظ منه وأخبث باطنا وأقبح سريرة، وليس في الذم والتقبيح أفحش من هذا. ولنعم ما قاله ابن أبي مليكة: من أنه كاد الخيران أن (3) يهلكا، فوالله لقد هلكا وكان الرجل غريقا في نومة الجهل خائضا في غمرات البهت والغفلة، وليت شعري ما حملها على شدة الاهتمام وبذل الجهد في تأمير الأقرع أو القعقاع بحضرة الرسول صلى الله عليه وآله أكان ذلك تشييدا لأركان الدين ومراعاة لمصالح المسلمين؟!، فتقدما بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وآله لظنهما أنهما أعلم من الله ومن رسوله صلى الله عليه وآله بما يصلح شأن الأمة، فخافا من أن يلحقهم ضرر بتأمير من يؤمره الرسول أو لزعمهما أنهما أبر وأرأف بهم من الله ومن رسوله صلى الله عليه وآله،