نادوا القوم، فنادوهم، فقالوا: ما تريدون؟. قال الشيخ: قولوا لهم: أفيكم أحد من ولد عبد المطلب؟ فنادوهم، فقالوا: نعم، فينا أبو طالب بن عبد المطلب قال الشيخ: يا قوم!، قالوا: لبيك. قال: لا يمكننا أن نصل إليهم بسوء أصلا، فانصرفوا ولا تشتغلوا بهم، فوالله ما في أيديكم منهم قليل ولا كثير، فقالوا: قد خرفت أيها الشيخ، أتنصرف عنهم وتترك هذه الأموال الكثيرة والأمتعة النفيسة معهم؟!، لا والله ولكن نحاصرهم أو يخرجون إلينا فنسلبهم. قال الشيخ: قد نصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين، فاتركوا نصحكم وذروا. قالوا: اسكت يا جاهل! فحطوا رواحلهم ليحاصروهم فلما حطوا أبصر بعضهم بالطريق اليابس، فصاح: يا قوم! ها هنا طريق يابس، فأبصر القوم كلهم الطريق اليابس، وفرحوا وقالوا: نستريح ساعة ونعلف دوابنا ثم نرتحل إليهم فإنهم لا يمكنهم أن يتخلصوا، ففعلوا، فلما أرادوا الارتحال تقدمت طائفة منهم إلى الطريق اليابس فلما توسطوا غرقوا وبقي الآخرون ينظرون إليهم فأمسكوا وندموا فاجتمعوا إلى الشيخ، وقالوا: ويحك يا شيخ! ألا أخبرتنا أمر هذا الطريق فإنه قد أغرق فيه خلق كثير، قال الشيخ: قد أخبرتكم ونصحت لكم فخالفتموني وعصيتم أمري حتى هلك منكم من هلك. قالوا له: ومن أين علمت ذاك يا شيخ؟. قال:
ويحكم! إنا خرجنا مرة قبل هذا نريد الغارة على تجارة قريش، فوقعنا على القافلة فإذا فيها من الأموال والأمتعة ما لا يحصى كثرة، فقلنا (1) قد جاء الغنى آخر الأبد، فلما أحسوا بنا - ولم يكن بيننا وبينهم إلا قدر ميل - قام رجل من ولد عبد المطلب يقال له: عبد الله، فقال: يا أهل القافلة! ما ترون؟. قالوا: ما ترى، قد دهمنا هذا الخيل الكثير، فسلوهم أن يأخذوا منا أموالنا ويخلوا سربنا فإنا إن نجونا بأنفسنا فقد فزنا. فقال عبد الله: قوموا وارتحلوا فلا بأس عليكم. فقلنا: ويحك! وقد قرب القوم وإن ارتحلنا وضعوا علينا السيوف. فقال: ويحكم! إنا (2) لنا ربا يمنعنا منهم،