مع تجار قريش تخرج من السنة إلى السنة مرة واحدة فيجمعون أموالا كثيرة، ولم يكن في العرب أتجر من قريش، فلما كانوا ببعض الطرق إذا قوم من الاعراب قطاع شاكون في السلاح لا يرى منهم إلا الحدق، فلما ظهروا لنا ها لنا أمرهم وفزعنا ووقع الصياح في القافلة، واشتغل كل إنسان بنفسه يريد أن ينجوا بنفسه فقط، ودهمنا أمر جليل، واجتمعنا وعزمنا على الهرب، فمررنا بأبي طالب وهو جالس، فقلنا: يا أبا طالب! ما لك؟ ألا ترى ما قد دهمنا فانج بنفسك معنا؟.
فقال: إلى أين نهرب في هذه البراري؟. قلنا: فلما الحلة؟. قال: الحلة أن ندخل هذه الجزيرة فنقيم فيها ونجمع أمتعتنا ودوابنا وأموالنا فيها.
قال: فبقينا متعجبين، وقلنا: لعله جن وفزع مما نزل به، فقلنا: ويحك!
ولنا هنا جزيرة؟!. قال: نعم. قلنا: أين هي؟. قال: انظروا أمامكم. قال:
فنظرنا إذا والله جزيرة عظيمة لم ير الناس أعظم منها ولا أحصن منها، فارتحلنا وحملنا أمتعتنا، فلما قربنا منها إذا بيننا وبينها واد عظيم من ماء لا يمكن أحدا أن يسلكه، فقال: ويحكم! ألا ترون هذا الطريق اليابس الذي في وسطه قلنا: لا.
قال: فانظروا أمامكم وعن يمينكم، فنظرنا فإذا والله طريق يابس سهل المسلك ففرحنا، وقلنا: لقد من الله علينا بأبي طالب، فسلك وسلكنا خلفه حتى دخلنا الجزيرة فحططنا، فقام أبو طالب فخط خطا على جميع القافلة، ثم قال: يا قوم!
أبشروا فإن القوم لن يصلوا إليكم ولا أحد منهم بسوء.
قال: وأقبلت الاعراب يتراكضون خلفنا، فلما انتهوا إلى الوادي إذا بحر عظيم قد حال بينهم وبيننا فبقوا متعجبين، فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: يا قوم! هل رأيتم قط ها هنا جزيرة أو بحرا؟. قالوا: لا. فلما كثر تعجبهم قال شيخ منهم - قد مرت عليه (1) التجارب -: يا قوم! أنا أطلعكم على بيان هذا الامر الساعة. قالوا: هات - يا شيخ - فإنك أقدمنا وأكبرنا سنا وأكثرنا تجاربا. قال: