لذلك العلم النازل من السماء من عند الله إلى الرسول اختلاف بأن يحكم في أمر في زمان بحكم، ثم يحكم في ذلك الامر بعينه في ذلك الزمان بعينه بحكم آخر أم لا؟
والأول باطل، لان الحكم إنما هو من عند الله عز وجل وهو متعال عن ذلك، كما قال تعالى: " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " (1).
ثم نقول: فمن حكم بحكم فيه اختلاف كالاجتهادات المتناقضة هل وافق رسول الله صلى الله عليه وآله في فعله ذلك أم خالفه؟ والأول باطل، لأنه صلى الله عليه وآله لم يكن في حكمه اختلاف، فثبت الثاني.
ثم نقول: فمن لم يكن في حكمه اختلاف فهل له طريق إلى الحكم من غير جهة الله: إما بغير واسطة أو بواسطة، ومن دون أن يعلم تأويل المتشابه الذي بسببه يقع الاختلاف أم لا؟ والأول باطل، فثبت الثاني، ثم نقول: فهل يعلم تأويل المتشابه إلا الله والراسخون في العلم: الذين ليس في علمهم اختلاف أم لا، والأول باطل لقوله تعالى: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " (2) ثم نقول: فرسول الله الذي هو من الراسخين هل مات وذهب بعلمه ذلك ولم يبلغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته أم بلغه؟ والأول باطل لأنه لو فعل ذلك فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده، فثبت الثاني.
ثم نقول: فهل خليفته من بعد كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطاء والاختلاف في العلم أم هو مؤيد من عند الله يحكم بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يأتيه الملك فيحدثه من غير وحي ورؤية أو ما يجري مجرى ذلك، وهو مثله إلا في النبوة؟ والأول باطل لعدم إغنائه حينئذ، لان من يجوز عليه الاختلاف لا يؤمن عليه الاختلاف في الحكم ويلزم التضييع من ذلك أيضا، فثبت الثاني.