فقال له يحيى: والله إنها لحجة في ذلك بليغة، ولكن ليس منها أحتج لما قلت، فاصفر وجه الحجاج وأطرق مليا ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال له: إن أنت جئت من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم وإن لم تأت بها فأنا في حل من دمك؟
قال نعم.
قال الشعبي: فغمني قوله: وقلت: أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ويتخلص منه حتى رد عليه وأفحمه فإن جاءه بعد هذا بشئ لم آمن أن يدخل عليه من القول ما يبطل به حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما قد جهله هو.
فقال يحيى للحجاج: قول الله عز وجل: " ومن ذريته داود وسليمان " من عنى بذلك؟ قال الحجاج: إبراهيم، قال: فداود وسليمان من ذريته؟ قال:
نعم، قال يحيى: ومن نص الله عليه بعد هذا أنه من ذريته؟ فقرأ الحجاج: " وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ".
قال يحيى: ومن؟
قال: " وزكريا ويحيى وعيسى ". (1) قال يحيى: ومن أين كان عيسى من ذرية إبراهيم ولا أب له؟
قال: من قبل أمه مريم.
قال يحيى: فمن أقرب؟ مريم من إبراهيم أم فاطمة من محمد صلى الله عليه وآله، وعيسى من إبراهيم، أم الحسن والحسين من رسول الله؟
قال الشعبي: فكأنما ألقمه حجرا، فقال: أطلقوه قبحه الله، وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم لا بارك الله له فيها. ثم أقبل علي فقال: قد كان رأيك صوابا ولكنا أبيناه، ودعا بجزور فنحره (2) وقام فدعا بالطعام فأكل وأكلنا معه، وما تكلم بكلمة