بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ٢٠
أما إني أحلف بالله لو فعلنا مثل ما فعل كان أجمل بنا، ووفق الله هشاما للاسلام يوم الفتح. (1) قال: وفي سنة عشر من نبوته صلى الله عليه وآله توفي أبو طالب، قال ابن عباس: عارض رسول الله صلى الله عليه وآله جنازة أبي طالب، فقال: وصلتك رحم، وجزاك الله خيرا يا عم.
وفي هذه السنة توفيت خديجة بعد أبي طالب بأيام، ولما مرضت مرضها الذي توفيت فيه دخل عليها رسول الله فقال لها: بالكره مني ما أرى منك يا خديجة، وقد يجعل الله في الكره خيرا كثيرا، أما علمت أن الله قد زوجني معك في الجنة مريم بنت عمران، وكلثم أخت موسى، وآسية امرأة فرعون، قالت: وقد فعل الله ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، قالت: بالرفاء والبنين، وتوفيت خديجة وهي بنت خمس

(1) ذكر في المصدر: هنا قصة الصحيفة مفصلا، ولعل نسخة المصنف كانت ناقصة، نذكرها مزيدا للفائدة، قال: ثم إن الله عز وجل برحمته أرسل على صحيفة قريش التي كتبوها - وفيها تظاهرهم على بني هاشم - الأرضة، فلم تدع فيها اسما هو لله عز وجل الا اكلته، وبقى فيها الظلم والقطيعة والبهتان، فأخبر الله عز وجل بذلك رسوله محمدا صلى الله عليه وآله فأخبر أبا طالب، فقال أبو طالب: يا ابن أخي من حدثك هذا وليس يدخل إلينا أحد، ولا تخرج أنت إلى أحد؟ ولست في نفسي من أهل الكذب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أخبرني ربى هذا، فقال له عمه: إن ربك لحق، وأنا أشهد انك صادق، فجمع أبو طالب أهله ولم يخبرهم بما أخبره به رسول الله صلى الله عليه وآله كراهية أن يفشوا ذلك الخبر، فيبلغ المشركين فيحتالوا للصحيفة البحث والمكر، فانطلق أبو طالب برهطه حتى دخلوا المسجد والمشركون من قريش في ظل الكعبة، فلما أبصروا تباشروا به وظنوا أن الحصر والبلاء حملهم على أن يدفعوا إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله فيقتلوه، فلما انتهى إليهم أبو طالب ورهطه رحبوا بهم وقالوا: قد آن لك أن تطيب نفسك عن قتل رجل في قتله صلاحكم وجماعتكم وفى حياته فرقتكم وفسادكم، فقال أبو طالب: قد جئتكم في امر لعله يكون فيه صلاح و جماعة، فاقبلوا ذلك منا، هلموا صحيفتكم التي فيها تظاهركم علينا، فجاؤوا بها ولا يشكون الا انهم سيدفعون رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم إذا نشروها، فلما جاؤوا بصحيفتهم قال أبو طالب: صحيفتكم بيني وبينكم، فان ابن أخي قد اخبرني ولم يكذبني ان الله عز وجل قد بعث على صحيفتكم الأرضة، فلم تدع لله فيها اسما الا أكلته، وبقى فيها الظلم والقطيعة والبهتان، فإن كان كاذبا فلكم على أن ادفعه إليكم تقتلونه، وإن كان صادقا فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا، فأخذ عليهم المواثيق واخذوا عليه، فلما نشروها فإذا هي كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانوا هم بالغدر أولى منهم، واستبشر أبو طالب وأصحابه، وقالوا: أينا أولى بالقطيعة والبهتان؟ فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وهشام ابن عمرو أخو عامر بن لوى بن حارثة، نحن براء من هذه الصحيفة القاطعة العادية الظالمة، ولن نمالي أحدا في فساد أنفسنا، وتتابع على ذلك ناس من اشراف قريش فخرج قوم من شعبهم وقد أصابهم الجهد الشديد، فقال أبو طالب في ذلك أشعارا منها:
وقد جربوا فيما مضى غب أمرهم * وما عالم امرا كمن لا يجرب وقد كان في أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخبر غائب القوم يعجب محا الله منهم كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من باطل الحق مغرب فأصبح ما قالوا من الامر باطلا * ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب فأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا * على سخط من قومنا غير معتب فلا تحسبونا مسلمين محمدا * لدى عزمة منا ولا متعزب ستمنعه منا يد هاشمية * مركبها في الناس خير مركب وكان الذي كتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن هاشم فشلت يده فيما يزعمون، وفى رواية ان الله تعالى اطلع نبيه صلى الله عليه وآله على أمر صحيفتهم، وأن الأرضة قد أكلت ما كان فيها من جور وظلم، وبقى ما كان من ذكر الله عز وجل في موضعي القصة. انتهى. أقول:
الرواية الثانية أصح لما تقدم في الاخبار وفى شعر أبى طالب.
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»
الفهرست