بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ١٩
منهم وجدتموه عند طعام يشتريه فزيدوا عليه، فبقوا على ذلك ثلاث سنين حتى بلغ القوم الجهد الشديد حتى سمعوا أصوات صبيانهم يتضاغون - أي يصيحون من الجوع من وراء الشعب - وكان المشركون يكرهون ما فيه بنو هاشم من البلاء حتى كره عامة قريش ما أصاب بني هاشم، وأظهروا كراهيتهم لصحيفتهم القاطعة الظالمة حتى أراد رجال أن يبرؤوا منها، وكان أبو طالب يخاف أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وآله ليلا أو سرا وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا أخذ مضجعه أو رقد جعله أبو طالب بينه وبين بنيه خشية أن يقتلوه، ويصبح قريش وقد سمعوا أصوات صبيان بني هاشم من الليل يتضاغون من الجوع، فيجلسون عند الكعبة فيسأل بعضهم بعضا فيقول الرجل لأصحابه: كيف بات أهلك البارحة؟ فيقولون: بخير، فيقول: لكن إخوانكم هؤلاء الذين في الشعب باتت صبيانهم يتضاغون من الجوع، فمنهم من يعجبه ما يلقى محمد ورهطه، ومنهم من يكره ذلك، فأتى (1) من قريش على ذلك من أمرهم في بني هاشم سنتين أو ثلاثا حتى جهد القوم جهدا شديدا لا يصل إليهم شئ إلا سرا ومستخفى به ممن أراد صلتهم من قريش، حتى روي أن حكيم بن حزام خرج يوما ومعه إنسان يحمل طعاما إلى عمته خديجة بنت خويلد وهي تحت رسول الله صلى الله عليه وآله في الشعب، إذ لقيه أبو جهل فقال: تذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله لا تبرح أنت ولا طعامك حتى أفضحك عند قريش، فقال له أبو البختري بن هشام بن الحارث: تمنعه أن يرسل إلى عمته بطعام كان لها عنده؟ فأبى أبو جهل أن يدعه، فقام إليه أبو البختري بساق بعير فشجه ووطئه وطئا شديدا، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله وأصحابه فيشمتوا بهم، وحتى روي أن هشام بن عمرو بن ربيعة أدخل على بني هاشم في ليلة ثلاثة أحمال طعام، فعلمت بذلك قريش فمشوا إليه فكلموه في ذلك، فقال: إني غير عائد لشئ يخالفكم، ثم عاد الثانية فأدخل حملا أو حملين ليلا، وصادفته قريش وهموا به، فقال أبو سفيان: دعوه رجل وصل رحمه

(1) في المصدر: فأقامت قريش.
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست