لا يلقى أحد منهم النبي (صلى الله عليه وآله) إلا قال: يا ساحر يا ساحر، واشتد عليه ذلك، فأنزل الله تعالى: " يا أيها المدثر " إلى قوله: " إلا قول البشر " عن مجاهد، ويروى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما انزل عليه " حم تنزيل الكتاب (1) " قام إلى المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراءته فلما فطن النبي (صلى الله عليه وآله) لاستماعه لقراءته أعاد قراءة الآية، فانطلق الوليد حتى أتى مجلس قومه بني مخزوم فقال: والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن، وإنه له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة (2)، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمعذق، وإنه ليعلو وما يعلى، ثم انصرف إلى منزله فقال قريش: صبأ (3) والله الوليد، والله ليصبأن قريش كلهم، وكان يقال للوليد: ريحانة قريش، فقال لهم أبو جهل:
أنا أكفيكموه، فانطلق فقعد إلى جنب الوليد حزينا، فقال له: مالي أراك حزينا يا ابن أخي؟ قال: هذه قريش يعيبونك على كبر سنك ويزعمون أنك زينت كلام محمد، فقام مع أبي جهل حتى أتى مجلس قومه فقال: تزعمون أن محمدا مجنون؟ فهل رأيتموه يخنق قط؟
قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه كاهن؟ فهل رأيتم عليه شيئا من ذلك؟ قالوا: اللهم لا، قال: تزعمون أنه شاعر؟ فهل رأيتموه أنه ينطق بشعر قط؟ قالوا: اللهم لا، قال:
تزعمون أنه كذاب؟ فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ قالوا: اللهم لا، وكان يسمى الصادق الأمين قبل النبوة من صدقه، قالت قريش للوليد: فما هو؟ فتفكر في نفسه ثم نظر وعبس فقال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه، فهو ساحر، وما يقوله سحر يؤثر (4).
أقول: قد مر تفسير الآيات في كتاب الاحتجاج.
ثم قال رحمه الله في قوله: " عليها تسعة عشر ": قالوا لما نزلت هذه الآية قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم أما تسمعون ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار