حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا، ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو على العرش في الهواء، يعني جبرئيل (عليه السلام)، فقلت: دثروني دثروني فصبوا علي ماء، فأنزل الله عز وجل: " يا أيها المدثر " وفي رواية: فخشيت (1) منه فرقا حتى هويت إلى الأرض، فجئت إلى أهلي فقلت: زملوني، فنزل: " يا أيها المدثر * قم فأنذر " أي ليس بك ما تخافه من الشيطان، إنما أنت نبي فأنذر الناس وادعهم إلى التوحيد.
وفي هذا ما فيه لان الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة، والآيات البينة الدالة على أن ما يوحي إليه إنما هو من الله تعالى، فلا يحتاج إلى شئ سواها ولا يفزع ولا يفزع ولا يفرق، وقيل: معناه يا أيها الطالب صرف الأذى بالدثار اطلبه بالانذار، وخوف قومك بالنار إن لم يؤمنوا، وقيل: إنه كان قد تدثر بشملة صغيرة لينام فقال: يا أيها النائم قم من نومك فأنذر قومك، وقيل: إن المراد به الجد في الامر والقيام بما ارسل به، فكأنه قيل له: لا تنم عما أمرتك به، وهذا كما تقول العرب: فلان لا ينام في أمره، إذا وصف بالجد وصدق العزيمة (2).
وقال في قوله تعالى: " ذرني ومن خلقت وحيدا ": نزلت الآيات في الوليد بن المغيرة المخزومي، وذلك أن قريشا اجتمعت في دار الندوة فقال لهم الوليد: إنكم ذووا أحساب وذووا أحلام، وإن العرب يأتونكم فينطلقون من عندكم على أمر مختلف، فأجمعوا أمركم على شئ واحد، ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا: نقول: إنه شاعر، فعبس عندها وقال: قد سمعنا الشعر فما يشبه قوله الشعر، فقالوا: نقول: إنه كاهن، قال:
إذا يأتونه فلا يجدونه يحدث بما يحدث به الكهنة، قالوا: نقول: إنه مجنون، قال:
إذا يأتونه فلا يجدونه مجنونا، قالوا: نقول: إنه ساحر، قال: وما الساحر؟ فقالوا:
بشر يحببون بين المتباغضين، ويبغضون بين المتحابين، قال: فهو ساحر، فخرجوا فكان