طرقكم، ففرح القوم وتضرعوا إلى الله تعالى، فبينما هم كذلك إذا أشرفت عليهم غبرة القوم (1)، وتقاربت الصفوف، ولاح لهم بريق الأسنة، ثم انكشف الغبار عن الفيل فنظروا إليه كأنه الجبل العظيم، وقد ألبسوه الحديد، وزينوه بزينة، فاشتد قلقهم، وانهملت عبراتهم، وتضرع عبد المطلب ودعا، فوالله ما أتم عبد المطلب دعائه وتضرعه حتى وقف الفيل مكانه فصرخت عليه الفيالة (2)، وزجرته الساسة، فلم يلتفت إليهم، فوقفت الجيوش ودهشوا، فقال الأسود بن مقصود وهو على الساقة: (3) ما الخبر؟ قالوا:
إن الفيل قد وقف، فقال للساسة: اضربوه، فضربوه فما حال ولا زال، فتعجبوا من ذلك، ثم أمرهم أن يعطفوا رأسه ففعلوا فهرول راجعا "، فأمر برده فردوه فوقف، فقال الأسود:
سحروا فيلكم، ثم بعث إلى الملك وأعلمه بذلك، فقال له: أشر علينا، فبعث أبرهة إلى ابن مقصود فقال: ليس من جرب كمن لا يجرب، ابعث للقوم رسولا " (4) واطلب الصلح، ولا تخبرهم بأمر الفيل لئلا يكون طريقا " لطمعهم فيكم، واطلب منهم رجالا بعدد من قتل منا (5)، ويقومون لنا بما أفسدوا من كنيستنا، فإذا فعلوا ذلك رجعنا عنهم، قال: فلما دخل رسوله أبرهة على الأسود وكان اسمه حناطة الحميري (6)، وكان يهزم الجيوش وحده، وكان له خلقة هائلة فقال له الأسود هل لك أن تكون أنت الرسول إليهم؟
فعسى أن يكون الصلح على يديك، فقال حناطة: ها أنا سائر إليهم، فإن صالحونا وإلا