بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٦٦
ومعه عشرون ألف فارس، وقال: امض بمن معك، وانزل على الكعبة، وخذ رجالها ونسائها ولا تقتل منهم أحدا " حتى آتيك، فإني أريد أن أعذبهم عذابا " شديدا " لم يعذب به أحد من العالمين، قال: فسار بجيشه سيرا " عنيفا " يقطع الفيافي والقفار، ويجوز السهل والوعار، ولم يقروا ولم يهدءوا (1) حتى نزلوا ببطن مكة، فلما سمع أهل مكة أنه قد نزل بهم صاحب الفيل جمعوا أموالهم وأهليهم ودوابهم وهموا بالخروج من مكة هاربين من أصحاب الفيل، فلما نظر إليهم عبد المطلب قال لهم: يا قوم أيجمل منكم (2) هذا الامر؟ وإنه لعار عليكم خروجكم عن كعبتكم، قالوا له: إن الملك أقسم بمعبوده أن لابد له من ذلك أن يهدم الكعبة، ويرمي أحجارها في البحر، ويذبح أطفالها، ويرمل نسائها، ويقتل رجالها، فاتركنا نخرج قبل أن يحل بنا الويل، فقال لهم عبد المطلب:
إن الكعبة لا يصلون إليها، لان لها مانعا " يمنعهم عنها، وصادا " يصدهم عنها، فإن أنتم التجأتم إليها واعتصمتم بها فهو خير لكم، فلم تطمئن القلوب (3) إلى كلامه، وغلب عليهم الخوف والجزع، وخرجوا هاربين يطلبون الشعاب، ومنهم من طلب الجبال، ومنهم من ركب البحر، قال: فعند ذلك قالوا لعبد المطلب: ما يمنعك أن تهرب مع الناس؟ قال:
أستحيي من الله أن أهرب عن بيته وحرمه، فوالله لا برحت من مكاني ولا نأيت (4) عن بيت ربي حتى يحكم الله بما يشاء، قال: ولم يبق يومئذ بمكة إلا عبد المطلب وأقاربه وهم غير آمنين على أنفسهم، فلما نظر عبد المطلب إلى الكعبة خالية وديارها خاوية قال:
(اللهم أنت أنيس المستوحشين ولا وحشة معك، فالبيت بيتك، والحرم حرمك، والدار دارك، ونحن جيرانك تمنع عنه ما تشاء (5)، ورب الدار أولى بالدار) قال: وأقام الأسود بن (6)

(1) السهل: الأرض الممتدة المستقيم سطحها. والوعر: ضدها. قوله: (لم يهدؤا) أي لم يسكنوا.
(2) أيحمد بكم خ ل.
(3) في المصدر: فلم يطمئن القوم. وأثبته المصنف في الهامش عن نسخة.
(4) في المصدر: ولا باينت.
(5) في المصدر: من تشاء، وكذا في نسخة على ما أثبته المصنف في الهامش.
(6) في المصدر: الشمر بن المقصود.
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 ... » »»
الفهرست