والصغير أولى بالرحمة، اللهم رب البيت والأستار، والركن والأحجار، وساطح الأرض، ومجري البحار، ومرسل السحاب والأمطار، اصرف البلاء عن الصغار) ثم دعا بصاحب الجرائد فقدها (1) فقذفها وكتب على كل واحدة اسم ولد، ثم دعا بصاحب القداح وهي الأزلام (2) التي ذكرها الله تعالى، وكانوا يقسمون (3) بها في الجاهلية، فأخذ الجرائد من يده، وساق أولاد عبد المطلب وقصد بهم الكعبة، فأخذت أمهاتهم في الصراخ والنياح والشق للجيوب (4)، كل واحدة تبكي على ولدها، وجميع الناس يبكون لبكائهم، وجعل عبد المطلب يقوم (5) مرة ويقعد أخرى، وهو يدعو (6): (يا رب أسرع في قضائك) فتطاولت الأعناق، وفاضت العبرات، واشتدت الحسرات، فبينما هم في ذلك وإذا بصاحب القداح قد خرج من الكعبة وهو قابض على عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد جعل ردائه في عنقه وهو يجره وقد زالت النضارة من وجهه، واصفر لونه، وارتعدت فرائصه، وقال له: يا عبد المطلب هذا ولدك قد خرج عليه السهم، فإن شئت فاذبحه أو اتركه (7)، فلما سمع كلامه خر مغشيا " عليه، ووقع إلى الأرض (8)، وخرج بقية أولاده من الكعبة وهم يبكون على أخيهم، وكان أشدهم عليه حزنا " أبو طالب لأنه شقيقه من أمه وأبيه، وكان لا يصبر عنه ساعة واحدة، وكان يقبل غرته وموضع النور من وجهه، ويقول:
يا أخي ليتني لا أموت حتى أرى ولدك الوارث لهذا النور الذي فضله الله على الخلق أجمعين (9)، الذي يغسل الأرض من الدنس، ويزيل دولة الأوثان، ويبطل كهانة الكهان.