بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٥ - الصفحة ٧٠
مكة خرج إليه أقاربه وبنو عمه يهنئونه بالسلامة، وقد كانوا آيسوا منه، فلما نظروا إليه فرحوا به وجعلوا يتعلقون به ويقبلون يديه، وقالوا: (الحمد لله الذي حماك وحفظك بهذا النور الحسن)، ثم سألوه عن الجيش فأخبرهم بقصته وخبر الفيل، فقالوا له: ما الذي تأمرنا به؟ فقال: يا قوم أخرجوا إلى جبل أبي قبيس حتى ينفذ الله حكمه ومشيته، قال:
فخرج القوم بأولادهم ونسائهم ودوابهم، وخرج عبد المطلب وبنو عمه وإخوته وأقاربه، وأخرج مفاتيح الكعبة إلى جبل أبي قبيس، وجعل يسير بهم إلى الصفا، ويدعو ويبكي ويتوسل بنور محمد صلى الله عليه وآله، وجعل يقول: (يا رب إليك المهرب، وأنت المطلب، أسألك بالكعبة العلياء ذات الحج والموقف العظيم المقرب، يا رب ارم الأعادي بسهام العطب (1) حتى يكونوا كالحصيد المنقلب) ثم رجع وأتى إلى باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول:
لاهم إن المرء يمنع رحله، فامنع رحالك (2) * لا يغلبن صليبهم، ومحالهم عدوا " (3) محالك إن كنت تاركهم وكعبتنا (4) فأمر ما بدا لك * جروا جميع بلادهم، والفيل كي يسبوا عيالك عمدوا جمالك بكيدهم، جهلا وما راقبوا جلالك * فانصر على آل الصليب، وعابديه اليوم آلك وقال أيضا " شعرا ":
يا رب لا أرجو لهم سواكا * يا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من عاداكا * أمنعهم أن يخربوا قراكا وإذا بهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول: قد أجبت دعوتك، وبلغت مسرتك إكراما " للنور الذي في وجهك، فنظر يمينا " وشمالا " فلم ير أحدا "، ثم قال لمن معه وهم على جبل أبي قبيس وقد نشروا شعورهم وهم يبتهلون بالدعاء ويستبشرون بالإجابة، ثم قال: أبشروا فإني رأيت النور الذي في وجهي قد علا، وإنما كان ذلك كاشفا " لما

(1) العطب: الهلاك.
(2) ذكر ابن هشام في السيرة البيتين الأوليين وفي رواية منه: فامنع حلالك. والحلال بالكسر جمع الحلة: القوم النزول فيهم كثرة. وجماعة البيوت.
(3) في السيرة: غدوا بالغين المعجمة. والمحال بكسر الميم: القوة والشدة.
(4) في السيرة: وقبلتنا.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست