وقال أبو الحسن البكري: حدثنا أشياخنا وأسلافنا الرواة لهذا الحديث أنه لما قدم المطلب وشيبة إلى الحرم وكان بين عينيه نور رسول الله صلى الله عليه وآله كانت قريش تتبرك به، فإذا أصابتهم مصيبة أو نزلت بهم نازلة أو دهمهم طارق (1) أو نزل بهم قحط توسلوا بنور رسول الله صلى الله عليه وآله فيكشف الله عنهم ما نزل بهم، قال: وكان أعجب نازلة نزلت بهم وأعجب آية ظهرت لهم ما جرى من أصحاب الفيل وهو أبرهة بن الصباح، وكان ملك اليمن، وقيل:
ملك الحبشة (2) الذي ذكره الله في كتابه العزيز، وكان قد أشرف منه أهل مكة على الهلاك، وقد حلف أنه يقطع آثارهم، ويهدم الكعبة، ويرمى بأحجارها في بحر جدة، ويحفر أساسها، فكشفه الله عن البيت وأهله ببركة عبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال صاحب الحديث: فأما ما اجتمعت عليه الروايات وأصحاب الحديث أنه نزلت جماعة من أهل مكة بأرض الحبشة في تجارة فدخلوا في كنيسة من كنائس النصارى، و أوقدوا بها نارا " يصطلون عليها، ويصلحون بها طعاما " لهم ورحلوا لم يطفؤها فهبت ريح فأحرقت جميع ما في الكنيسة، فلما دخلوا قالوا: من فعل هذا؟ قالوا: كان (3) بها تجار من عرب مكة، فأخبروا بذلك النجاشي وكان ملك اليمن أو ملك الحبشة - والله أعلم - قال:
ما أحرق معبدنا إلا العرب، فغضب لذلك غضبا " شديدا "، وقال: لأحرقن معبدهم كما أحرقوا معبدنا، فأرسل وزيره أبرهة بن الصباح وأرسل معه أربعمأة فيل، وأرسل معه مأة ألف مقاتل، وقال له: امضى إلى كعبتهم وانقضها حجرا " حجرا "، وارمها في بحر جدة، واقتل رجالهم، وانهب أموالهم وذراريهم، ولا تترك لهم رجالا "، قال: فأمر المنادي ينادي في الجيوش بالمسير إلى مكة، واجتمعوا من كل جانب ومكان، وأعدوا ما يصلح للسفر من الزاد والماء والعدد والسلاح والدواب وأمرهم بالمسير، قال: فسار القوم وجعل في مقدمة الجيوش رجلا من أخيار دولته يقال له: الأسود بن مقصود (4)، وأمره بالمسير أمامه،