بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٨
الخامس: اعلم أنه لا خلاف بين المتكلمين في وجوب التوبة سمعا، واختلفوا في وجوبها عقلا، فأثبته المعتزلة لدفعها ضرر العقاب. قال الشيخ البهائي رحمه الله: هذا لا يدل على وجوب التوبة عن الصغائر ممن يجتنب الكبائر لكونها مكفرة، ولهذا ذهبت البهشمية (1) إلى وجوبها عن الصغائر سمعا لا عقلا، نعم الاستدلال بأن الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين، وأما فورية الوجوب فقد صرح بها المعتزلة، فقالوا: يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر، تجب التوبة منه أيضا، حتى أن من أخر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة فقد فعل كبيرتين، وساعتين أربع كبائر: الأولتان وترك التوبة عن كل منهما، وثلاث ساعات ثمان كبائر وهكذا، وأصحابنا يوافقونهم على الفورية، لكنهم لم يذكروا هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلامية.
السادس: سقوط العقاب بالتوبة مما أجمع عليه أهل الاسلام، وإنما الخلاف في أنه هل يجب على الله حتى لو عاقب بعد التوبة كان ظلما، أو هو تفضل يفعله سبحانه كرما منه ورحمة بعباده؟ فالمعتزلة على الأول، والأشاعرة على الثاني، وإلى الثاني ذهب شيخ الطائفة في كتاب الاقتصاد، والعلامة الحلي رحمه الله في بعض كتبه الكلامية وتوقف المحقق الطوسي طاب ثراه في التجريد، ومختار الشيخين هو الظاهر من الاخبار وأدعية الصحيفة الكاملة وغيرها، وهو الذي اختاره الشيخ الطبرسي رحمه الله، ونسبه إلى أصحابنا كما عرفت، ودليل الوجوب ضعيف مدخول، كما لا يخفى على من تأمل فيه.
أقول: أثبتنا بعض أخبار التوبة في باب الاستغفار، وباب صفات المؤمن، وباب صفات خيار العباد وباب جوامع المكارم، وسيأتي تحقيق الكبائر والصغائر والذنوب وأنواعها وحبط الصغائر بترك الكبائر في أبوابها إن شاء الله تعالى.

(1) اتباع أبى على وأبى هاشم الجبائيين، وهؤلاء فرقة من المعتزلة، انفردوا عنهم بأمور كاثبات إرادات حادثة لا في محل يكون الباري تعالى بها موصوفا، وتعظيما لا في محل إذا أراد أن يعظم ذاته، وفناء لا في محل إذا أراد أن يفنى العالم، وقالا: بأنه تعالى متكلم بكلام يخلقه في محل وحقيقة الكلام أصوات مقطعة، وحروف منظومة، والمتكلم من فعل الكلام، وقالا بأنه تعالى لا يرى بالابصار في دار القرار، وإن المعرفة وشكر المنعم ومعرفة الحسن والقبح واجبات عقلية وأن الذم والعقاب ليسا على الفعل، وإن التوبة لا تصح من العاجز بعد العجز عن مثله إلى غير ذلك مما هو مذكور في تراجم الفرق، وكتب الملل والنحل، كالملل للشهرستاني، والفرق بين الفرق للبغدادي.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * (بقية أبواب العدل) * باب 19 عفو الله تعالى وغفرانه وسعة رحمته ونعمه على العباد، وفيه 17 حديثا. 1
3 باب 20 التوبة وأنواعها وشرائطها، وفيه 78 حديثا. 11
4 باب 21 نفي العبث وما يوجب النقص من الاستهزاء والسخرية والمكر والخديعة عنه تعالى، وتأويل الآيات فيها، وفيه حديثان. 49
5 باب 22 عقاب الكفار والفجار في الدنيا، وفيه تسعة أحاديث. 54
6 باب 23 علل الشرائع والأحكام، الفصل الأول: العلل التي رواها الفضل بن شاذان. 58
7 الفصل الثاني: ما ورد من ذلك برواية ابن سنان. 93
8 الفصل الثالث: في نوادر العلل ومتفرقاتها. 107
9 * أبواب الموت * باب 1 حكمة الموت وحقيقته، وما ينبغي أن يعبر عنه، وفيه خمسة أحاديث 116
10 باب 2 علامات الكبر، وأن ما بين الستين إلى السبعين معترك المنايا، وتفسير أرذل العمر، وفيه تسعة أحاديث. 118
11 باب 3 الطاعون والفرار منه، وفيه عشرة أحاديث. 120
12 باب 4 حب لقاء الله وذم الفرار من الموت، وفيه 46 حديثا. 124
13 باب 5 ملك الموت وأحواله وأعوانه وكيفية نزعه للروح، وفيه 18 حديثا 139
14 باب 6 سكرات الموت وشدائده، وما يلحق المؤمن والكافر عنده، وفيه 52 حديثا. 145
15 باب 7 ما يعاين المؤمن والكافر عند الموت وحضور الأئمة عليهم السلام عند ذلك وعند الدفن وعرض الأعمال عليهم صلوات الله عليهم، وفيه 56 حديثا 173
16 باب 8 أحوال البرزخ والقبر وعذابه وسؤاله وسائر ما يتعلق بذلك، وفيه 128 حديثا. 202
17 باب 9 في جنة الدنيا ونارها، وفيه 18 حديثا. 282
18 باب 10 ما يلحق الرجل بعد موته من الأجر، وفيه خمسة أحاديث. 293
19 * أبواب المعاد وما يتبعه ويتعلق به * باب 1 أشراط الساعة، وقصة يأجوج ومأجوج، وفيه 32 حديثا. 295
20 باب 2 نفخ الصور وفناء الدنيا وأن كل نفس تذوق الموت، وفيه 16 حديثا 316