الثالث: اعلم أن العزم على عدم العود إلى الذنب فيما بقي من العمر لابد منه في التوبة كما عرفت، وهل إمكان صدوره منه في بقية العمر شرط، حتى لو زنى ثم جب (1) وعزم على أن يعود إلى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح توبته، أم ليس بشرط فتصح؟
الأكثر على الثاني، بل نقل بعض المتكلمين إجماع السلف عليه، وأولى من هذا بصحة التوبة من تاب في مرض مخوف غلب على ظنه الموت فيه وأما التوبة عند حضور الموت وتيقن الفوت وهو المعبر عنه بالمعاينة فقد انعقد الاجماع على عدم صحتها، وقد مر ما يدل عليه من الآيات والاخبار.
الرابع: في أنواع التوبة، قال العلامة رحمه الله: التوبة إما أن تكون من ذنب يتعلق به تعالى خاصة، أو يتعلق به حق الآدمي.
والأول إما أن يكون فعل قبيح كشرب الخمر والزنا، أو إخلالا بواجب كترك الزكاة والصلاة، فالأول يكفي في التوبة منه الندم عليه والعزم على ترك العود إليه.
وأما الثاني فتختلف أحكامه بحسب القوانين الشرعية، فمنه ما لابد مع التوبة من فعله أداءا كالزكاة، ومنه ما يجب معه القضاء كالصلاة، ومنه ما يسقطان عنه كالعيدين، وهذا الأخير يكفي فيه الندم والعزم على ترك المعاودة كما في فعل القبيح، وأما ما يتعلق به حق الآدمي فيجب فيه الخروج إليهم منه، فإن كان أخذ مال وجب رده على مالكه أو ورثته إن مات، ولو لم يتمكن من ذلك وجب العزم عليه، وكذا إن كان حد قذف، وإن كان قصاصا وجب الخروج إليهم منه، بأن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول فإما أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدية أو بدونها، وإن كان في بعض الأعضاء وجب تسليم نفسه ليقتص منه في ذلك العضو إلى المستحق من المجني عليه أو الورثة، وإن كان إضلالا وجب إرشاد من أضله ورجوعه مما اعتقده بسببه من الباطل إن أمكن ذلك. واعلم إن هذه التوابع ليست أجزاءا من التوبة فإن العقاب سقط بالتوبة، ثم إن قام المكلف بالتبعات كان ذلك إتماما للتوبة من جهة المعنى لان ترك التبعات لا يمنع من سقوط العقاب بالتوبة عما تاب منه، بل يسقط العقاب ويكون ترك القيام بالتبعات بمنزلة ذنوب مستأنفة يلزمه التوبة منها، نعم التائب إذا فعل التبعات بعد إظهار توبته كان ذلك دلالة