فإن قال: لم أمر الله الخلق (1) بالاقرار بالله وبرسله (2) وحججه وبما جاء من عند الله عز وجل؟ قيل: لعلل كثيرة: منها أن من لم يقر بالله عز وجل لم يجتنب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر، ولم يراقب أحدا فيما يشتهي ويستلذ من الفساد و الظلم، فإذا فعل الناس هذه الأشياء وارتكب كل إنسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لاحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين، ووثوب بعضهم على بعض، فغصبوا الفروج والأموال وأباحوا الدماء والنساء (والسبي ع) وقتل بعضهم بعضا من غير حق ولا جرم، فيكون في ذلك خراب الدنيا، وهلاك الخلق، وفساد الحرث والنسل.
ومنها أن الله عز وجل حكيم، ولا يكون الحكيم ولا يوصف (3) بالحكمة إلا الذي يحظر الفساد، ويأمر بالصلاح، ويزجر عن الظلم، وينهى عن الفواحش، ولا يكون حظر الفساد والامر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلا بعد الاقرار بالله عز وجل ومعرفة الآمر والناهي، فلو ترك الناس بغير إقرار بالله ولا معرفته لم يثبت أمر بصلاح، ولا نهي عن فساد إذ لا آمر ولا ناهي.
ومنها أنا وجدنا الخلق قد يفسدون بأمور باطنة، مستورة عن الخلق، فلولا الاقرار بالله عز وجل وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحدا في ترك معصية، وانتهاك حرمة، وارتكاب كبيرة، إذا كان فعله ذلك مستورا (4) عن الخلق، غير مراقب لاحد، وكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين، فلم يكن قوام الخلق و صلاحهم إلا بالاقرار منهم بعليم خبير، يعلم السر وأخفى، آمر بالصلاح، ناه عن الفساد، لا تخفى عليه خافية، ليكون في ذلك انزجار لهم عما يخلون (5) به من أنواع الفساد.
فإن قال: فلم وجب عليهم (6) معرفة الرسل والاقرار بهم والاذعان لهم بالطاعة؟
قيل: لأنه لما لم يكن (7) في خلقهم وقولهم وقواهم ما يكملون لمصالحهم، (8) وكان