الاستهزاء باسمه كما سمي جزاء السيئة سيئة إما لمقابلة اللفظ باللفظ، أو لكونه مماثلا له في القدر، أو يرجع وبال الاستهزاء عليهم، فيكون كالمستهزئ بهم، أو ينزل بهم الحقارة والهوان الذي هو لازم الاستهزاء والغرض منه، أو يعاملهم معاملة المستهزئ: أما في الدنيا فبإجراء أحكام المسلمين عليهم، واستدراجهم بالامهال وزيادة في النعمة على التمادي في الطغيان، وأما في الآخرة فبأن يفتح لهم وهم في النار بابا إلى الجنة فيسرعون نحوه، فإذا صاروا إليه سد عليهم الباب، وذلك قوله تعالى: " فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ". " ويمدهم في طغيانهم يعمهون " من مد الجيش وأمده: إذا زاده وقواه، لا من المد في العمر، فإنه يعدى باللام، والمعتزلة قالوا: لما منعهم الله ألطافه التي يمنحها المؤمنين وخذلهم بسبب كفرهم وإصرارهم وسدهم طريق التوفيق على أنفسهم فتزايدت بسببه قلوبهم رينا وظلمة، وتزايد قلوب المؤمنين انشراحا ونورا، أو مكن الشيطان من إغوائهم فزادهم طغيانا، أسند ذلك إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى المسبب، وأضاف الطغيان إليهم لئلا يتوهم أن إسناد الفعل إليه على الحقيقة، ومصداق ذلك أنه لما أسند المد إلى الشياطين أطلق الغي، وقال: " وإخوانهم يمدونهم في الغي " وقيل:
أصله: نمد لهم بمعنى نملي لهم، ونمد في أعمارهم كي ينتبهوا ويطيعوا، فما زادوا إلا طغيانا وعمها، فحذفت اللام وعدي الفعل بنفسه، كما في قوله تعالى: " واختار موسى قومه " أو التقدير: يمدهم استصلاحا وهم مع ذلك يعمهون في طغيانهم.
وقال في قوله تعالى: " يخادعون الله ": الخدع أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه من المكروه لتنزله عما هو بصدده، وخداعهم مع الله ليس على ظاهره لأنه لا تخفى عليه خافية، ولأنهم لم يقصدوا خديعته، بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث إنه خليفته كما قال: " ومن يطع الرسول فقد أطاع الله " وإما أن صورة صنعهم مع الله من إظهار الايمان واستبطان الكفر وصنع الله معهم بإجراء أحكام المسلمين عليهم استدراجا لهم، وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله في إخفاء حالهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين.
وقال في قوله تعالى: " ويمكر الله ": برد مكرهم، أو بمجازاتهم عليه، أو بمعاملة