بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ٩٩
أحسن كل شئ خلقه " (1) كما مر; ولا وجه لقولهم: قضى المعاصي على معنى أمر بها لأنه تعالى قد أكذب مدعي ذلك بقوله تعالى: " إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون " (2) ولا معنى لقول من زعم أنه قضى بالمعاصي على معنى أنه أعلم الخلق بها إذ كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون، ولا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل على التفصيل; ولا وجه لقولهم: إنه قضى بالذنوب على معنى أنه حكم بها بين العباد لان أحكام الله تعالى حق، والمعاصي منهم، ولا لذلك فائدة وهو لغو باتفاق فبطل قول من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح.
والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيناه أن الله تعالى في خلقه قضاءا و قدرا وفي أفعالهم أيضا قضاءا وقدرا معلوما، ويكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالامر بها، وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها، وفي أنفسهم بالخلق لها، وفيما فعله فيهم بالايجاد له; والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقه وموضعه، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب لان ذلك كله واقع موقعه و موضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلا.
فإذا فسر القضاء في أفعال الله تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشبهة منه وثبتت الحجة به ووضح القول فيه لذوي العقول ولم يلحقه فساد ولا اختلال.
فأما الاخبار التي رواها في النهي عن الكلام في القضاء، والقدر فهي تحتمل وجهين:
أحدهما أن يكون النهي خاصا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلهم عن الدين ولا يصلحهم إلا الامساك عنه وترك الخوض فيه، ولم يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين وقد يصلح بعض الناس بشئ يفسد به آخرون، ويفسد بعضهم بشئ يصلح به آخرون، فدبر الأئمة عليهم السلام أشياعهم في الدين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه.
والوجه الاخر أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبد، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والامر محظورا لان الله تعالى سترها من أكثر خلقه ألا ترى أنه لا يجوز لاحد

(١) ألم السجدة: ٧.
(٢) الأعراف: ٢٨.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331