أحسن كل شئ خلقه " (1) كما مر; ولا وجه لقولهم: قضى المعاصي على معنى أمر بها لأنه تعالى قد أكذب مدعي ذلك بقوله تعالى: " إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون " (2) ولا معنى لقول من زعم أنه قضى بالمعاصي على معنى أنه أعلم الخلق بها إذ كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون، ولا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل على التفصيل; ولا وجه لقولهم: إنه قضى بالذنوب على معنى أنه حكم بها بين العباد لان أحكام الله تعالى حق، والمعاصي منهم، ولا لذلك فائدة وهو لغو باتفاق فبطل قول من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح.
والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيناه أن الله تعالى في خلقه قضاءا و قدرا وفي أفعالهم أيضا قضاءا وقدرا معلوما، ويكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالامر بها، وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها، وفي أنفسهم بالخلق لها، وفيما فعله فيهم بالايجاد له; والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقه وموضعه، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب لان ذلك كله واقع موقعه و موضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلا.
فإذا فسر القضاء في أفعال الله تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشبهة منه وثبتت الحجة به ووضح القول فيه لذوي العقول ولم يلحقه فساد ولا اختلال.
فأما الاخبار التي رواها في النهي عن الكلام في القضاء، والقدر فهي تحتمل وجهين:
أحدهما أن يكون النهي خاصا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلهم عن الدين ولا يصلحهم إلا الامساك عنه وترك الخوض فيه، ولم يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين وقد يصلح بعض الناس بشئ يفسد به آخرون، ويفسد بعضهم بشئ يصلح به آخرون، فدبر الأئمة عليهم السلام أشياعهم في الدين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه.
والوجه الاخر أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبد، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والامر محظورا لان الله تعالى سترها من أكثر خلقه ألا ترى أنه لا يجوز لاحد