بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٣٣
والعقاب بمقتضى الوعد والوعيد ثابت من غير حبوط، والمشهور من مذهب المعتزلة أنه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة، فأشكل عليهم الامر في إيمانه وطاعاته، وما يثبت من استحقاقاته، أين طارت؟ وكيف زالت؟ فقالوا: بحبوط الطاعات، و مالوا إلى أن السيئات يذهبن الحسنات، حتى ذهبت الجمهور منهم إلى أن الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات. وفساده ظاهر، أما سمعا فللنصوص الدالة على أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا وعمل صالحا، وأما عقلا فللقطع بأنه لا يحسن من الحليم الكريم إبطال ثواب إيمان العبد ومواظبته على الطاعات طول العمر بتناول لقمة من الربا، أو جرعة من الخمر. قالوا: الاحباط مصرح في التنزيل، كقوله تعالى: " ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم، أولئك حبطت أعمالهم، ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " قلنا: لا بالمعنى الذي قصدتم، بل بمعنى أن من عمل عملا استحق به الذم، وكان يمكنه أن يعمله على وجه يستحق به المدح والثواب; يقال: إنه أحبط عمله كالصدقة مع المن والأذى وبدونها. وأما إحباط الطاعات بالكفر بمعنى أنه لا يثاب عليها البتة فليس من التنازع في شئ; وحين تنبه أبو علي وأبو هاشم لفساد هذا الرأي رجعا من التمادي بعض الرجوع، فقالا: إن المعاصي إنما يحبط الطاعات إذا أوردت عليها، وإن أوردت الطاعات أحبطت المعاصي، ثم ليس النظر إلى أعداد الطاعات والمعاصي بل إلى مقادير الأوزار والأجور، فرب كبيرة يغلب وزرها أجر طاعات كثيرة، ولا سبيل إلى ضبط ذلك بل هو مفوض إلى علم الله تعالى، ثم افترقا فزعم أبو علي أن الأقل يسقط ولا يسقط من الأكثر شيئا، و يكون سقوط الأقل عقابا إذا كان الساقط ثوابا، وثوابا إذا كان الساقط عقابا، وهذا هو الاحباط المحض. قال أبو هاشم: الأقل يسقط ويسقط من الأكثر ما يقابله، مثلا من له مائة جزء من العقاب واكتسب ألف جزء من الثواب فإنه يسقط منه العقاب ومائة جزء من الثواب بمقابلته، ويبقى له تسعمائة جزء من الثواب، وكذا العكس، وهذا هو القول بالموازنة انتهى كلامه.
أقول: الحق أنه لا يمكن إنكار سقوط ثواب الايمان بالكفر اللاحق الذي
(٣٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 خطبة الكتاب 1
3 * أبواب العدل * باب 1 نفي الظلم والجور عنه تعالى، وإبطال الجبر والتفويض، وإثبات الأمر بين الأمرين، وإثبات الاختيار والاستطاعة، وفيه 112 حديثا. 2
4 باب 2 آخر وهو من الباب الأول، وفيه حديث. 68
5 باب 3 القضاء والقدر، والمشية والإرادة، وسائر أبواب الفعل، وفيه 79 حديثا. 84
6 باب 4 الآجال، وفيه 14 حديثا. 136
7 باب 5 الأرزاق والأسعار، وفيه 13 حديثا. 143
8 باب 6 السعادة والشقاوة، والخير والشر، وخالقهما ومقدرهما، وفيه 23 حديثا. 152
9 باب 7 الهداية والإضلال والتوفيق والخذلان، وفيه 50 حديثا. 162
10 باب 8 التمحيص والاستدراج، والابتلاء والاختبار، وفيه 18 حديثا. 210
11 باب 9 أن المعرفة منه تعالى، وفيه 13 حديثا. 220
12 باب 10 الطينة والميثاق، وفيه 67 حديثا. 225
13 باب 11 من لا ينجبون من الناس، ومحاسن الخلقة وعيوبها اللتين تؤثران في الخلق، وفيه 15 حديثا. 276
14 باب 12 علة عذاب الاستيصال، وحال ولد الزنا، وعلة اختلاف أحوال الخلق، وفيه 14 حديثا. 281
15 باب 13 الأطفال ومن لم يتم عليهم الحجة في الدنيا، وفيه 22 حديثا. 288
16 باب 14 من رفع عنه القلم، ونفي الحرج في الدين، وشرائط صحة التكليف، وما يعذر فيه الجاهل، وأنه يلزم على الله التعريف وفيه 29 حديثا. 298
17 باب 15 علة خلق العباد وتكليفهم، والعلة التي من أجلها جعل الله في الدنيا اللذات والآلام والمحن، وفيه 18 حديثا. 309
18 باب 16 عموم التكاليف، وفيه ثلاثة أحاديث. 318
19 باب 17 أن الملائكة يكتبون أعمال العباد، وفيه 35 حديثا. 319
20 باب 18 الوعد والوعيد، والحبط والتكفير، وفيه حديثان. 331