من أخبار الأبواب السابقة تدل على أن معرفة الله تعالى بل معرفة الرسول والأئمة صلوات الله عليهم وسائر العقائد الدينية موهبية وليست بكسبية، ويمكن حملها على كمال معرفته; أو المراد أنه تعالى احتج عليهم بما أعطاهم من العقول ولا يقدر أحد من الخلق حتى الرسل على هداية أحد وتعريفه; أو المراد أن المفيض للمعارف هو الرب تعالى، وإنما أمر العباد بالسعي في أن يستعدوا لذلك بالفكر والنظر كما يشير إليه خبر عبد الرحيم; أو يقال: هي مختصة بمعرفة غير ما يتوقف عليه العلم بصدق الرسل فإن ما سوى ذلك إنما نعرفه بما عرفنا الله على لسان أنبيائه وحججه صلوات الله عليهم; أو يقال: المراد بها معرفة الاحكام الفرعية لعدم استقلال العقل فيها; أو المعنى أنها إنما تحصل بتوفيقه تعالى للاكتساب، هذا ما يمكن أن يقال في تأويلها مع بعد أكثرها. (1) والظاهر منها أن العباد إنما يكلفون بالانقياد للحق وترك الاستكبار عن قبوله، فأما المعارف فإنها بأسرها مما يلقيه الله تعالى في قلوب عباده بعد اختيارهم للحق، ثم يكمل ذك يوما فيوما بقدر أعمالهم وطاعاتهم حتى يوصلهم إلى درجة اليقين، وحسبك في ذلك ما وصل إليك من سيرة النبيين وأئمة الدين في تكميل أممهم وأصحابهم، فإنهم لم يحيلوهم على الاكتساب والنظر وتتبع كتب الفلاسفة والاقتباس من علوم الزنادقة، بل إنما دعوهم أولا إلى الاذعان بالتوحيد وسائر العقائد، ثم دعوهم إلى تكميل النفس بالطاعات والرياضات حتى فازوا بأعلى درجات السعادات.
(٢٢٤)