للمبرسمين والمجانين، وكذا التعقل إذا اشتد يصير مشاهدة قلبية ورؤية عقلية، لا خيالية ولا حسية، وبالجملة الاحساس والتخيل والتعقل أنواع متقابلة من المدارك كل منها في عالم آخر من العوالم الثلاثة، ويكون تأكد كل منها حجابا مانعا عن الوصول إلى الآخر، فإذا تمهد هذا فنقول: اتفق الجميع أن المعرفة من جهة الرؤية أمر ضروري، وأن رؤية الشئ متضمنة لمعرفته بالضرورة، بل الرؤية بالحس نوع من المعرفة، فإن من رأي شيئا فقد عرفه بالضرورة، فإن كان الايمان بعينه هو هذه المعرفة التي مرجعها الادراك البصري والرؤية الحسية فلم تكن المعرفة العلمية التي حصلت للانسان من جهة الاكتساب بطريق الفكر والنظر إيمانا لأنها ضده، لأنك قد علمت أن الاحساس ضد التخيل، وأن الصورة الحسية ضد الصورة العقلية فإذا لم يكن الايمان بالحقيقة مشتركا بينهما، ولا أمرا جامعا لهما لثبوت التضاد وغاية الخلاف بينهما، ولا جنسا مبهما بينهما غير تام الحقيقة المتحصلة كجنس المتضادين مثل اللونية بين نوعي السواد و البياض لان الايمان أمر محصل وحقيقة معينة، فهو إما هذا وإما ذاك فإذا كان ذاك لم يكن هذا، وإن كان هذا لم يكن ذاك ثم ساق الدليل إلى آخره كما مر، ولا يخفى أن شيئا من الوجوه لا يخلو من تكلفات إما لفظية وإما معنوية، ولعله عليه السلام بنى ذلك على بعض المقدمات المقررة بين الخصوم في ذلك الزمان إلزاما عليهم كما صدر عنهم كثير من الاخبار كذلك، والله تعالى يعلم وحججه حقائق كلامهم عليهم السلام.
تذييل: اعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله تعالى على أقوال فذهبت الإمامية والمعتزلة (1)