حصول المعرفة من جهة الرؤية ضروري، فلو جاز أن يرى الله سبحانه بالعين وقعت المعرفة من جهة الرؤية ضرورة، فتلك المعرفة لا يخلو من أن يكون إيمانا أولا يكون إيمانا، وهما باطلان لأنه إن كانت إيمانا لم تكن المعرفة الحاصلة في الدنيا من جهة الاكتساب إيمانا لأنهما متضاد ان، فإن المعرفة الحاصلة بالاكتساب أنه ليس بجسم، وليس في مكان، وليس بمتكمم، ولا متكيف، والرؤية بالعين لا يكون إلا بإدراك صورة متحيزة من شأنها الانطباع في مادة جسمانية، والمعرفة الحاصلة من جهتها معرفة بالمرئي بأنه متصف بالصفات المدركة في الصورة فهما متضادتان لا تجتمعان في المطابقة للواقع، فإن كانت هذه إيمانا لم تكن تلك إيمانا فلا يكون في الدنيا مؤمن لأنهم لم يروا الله عز ذكره، وليس لهم إلا المعرفة من جهة الاكتساب، فلو لم يكن إيمانا لم يكن في الدنيا مؤمن، وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة الرؤية إيمانا أي اعتقادا مطابقا للواقع، وكانت المعرفة الاكتسابية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب من أن تزول عند المعرفة من جهة الرؤية لتضاد هما أولا تزول لامتناع زوال الايمان في الآخرة.
وهذه العبارة تحتمل ثلاثة أوجه: أحدها: لم تخل هذه المعرفة من الزوال عند الرؤية، والمعرفة من جهتها لتضادهما، والزوال مستحيل لا يقع لامتناع زوال الايمان في الآخرة.
وثانيها: لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال ويكون متصفا بكليهما في المعاد عند وقوع الرؤية والمعرفة من جهتها لامتناع اجتماع الضدين، وامتناع زوال الايمان في المعاد، والمستلزم لاجتماع النقيضين مستحيل، وثالثها: لم تخل هذه المعرفة من الزوال وعدم الزوال ولابد من أحدهما وكل منهما محال.
وأما بيان أن الايمان لا يزول في المعاد بعد الاتفاق والاجتماع عليه أن الاعتقاد الثابت المطابق للواقع الحاصل بالبرهان مع معارضة الوساوس الحاصلة في الدنيا يمتنع زوالها عند ارتفاع الوساوس والموانع على أن الرؤية عند مجوزيها إنما تقع للخواص من المؤمنين والكمل منهم في الجنة فلو زال إيمانهم لزم كون غير المؤمن أعلى درجة من المؤمن، وكون الأحط مرتبة أكمل من الأعلى درجة، وفساده ظاهر.
أقول: الاحتمالات الثلاثة إنما هي علي ما في الكافي من " الواو " وأما علي ما في التوحيد من كلمة " أو " فالأخير متعين.