ثم اعلم أنه يرد على هذا الحل أن من لم يسلم امتناع الرؤية كيف بسلم كون الايمان المكتسب منافيا لها، وإن ادعى الضرورة في كون الرؤية مستلزمة لما اتفقوا على امتناعه فهو كاف في إثبات المطلوب، إلا أن يقال: إنما أورد هكذا بيانا لكثرة الفساد وإيضاحا للمراد، أو يقال: لعله عليه السلام كان بين للسائل امتناع الرؤية بالدلائل فلما ذكر السائل ما ترويه العامة في ذلك بين امتناع وقوع ما ثبت لنا بالبراهين امتناعه، وآمنا به بهذا الوجه الثاني: أن حاصل الدليل أن المعرفة من جهة الرؤية غير متوقفة علي الكسب و النظر، والمعرفة في دار الدنيا، متوقفة عليه ضعيفة بالنسبة إلى الأولى فتخالفتا مثل الحرارة القوية والحرارة الضعيفة، فإن كانت المعرفة من جهة الرؤية إيمانا لم تكن المعرفة من جهة الكسب إيمانا كاملا لان المعرفة من جهة الرؤية أكمل منها، وإن لم يكن إيمانا يلزم سلب الايمان عن الرأيين، لامتناع اجتماع المعرفتين في زمان واحد في قلب واحد يعني قيام تصديقين أحدهما أقوى من الآخر بذهن واحد، وأحدهما حاصل من جهة الرؤية، والآخر من جهة الدليل، كما يمتنع قيام حرارتين بماء واحد في زمان واحد، ويرد عليه النقض بكثير من المعارف التي تعرف في الدنيا بالدليل وتصير في الآخرة بالمعاينة ضرورية، ويمكن بيان الفرق بتكلف.
الثالث: ما حققه بعض الأفاضل بعد ما مهد من أن نور العلم والايمان يشتد حتى ينتهي إلى المشاهدة والعيان لكن العلم إذا صار عينا لم يصر عينا محسوسا، والمعرفة إذا انقلبت مشاهدة لم تنقلب مشاهدة بصرية حسية لان الحس والمحسوس نوع مضاد للعقل والمعقول ليس نسبة أحدهما إلى الآخر نسبة النقص إلى الكمال والضعف إلى الشدة، بل لكل منهما في حدود نوعه مراتب في الكمال والنقص لا يمكن لشئ من أفراد أحد النوعين المتضادين أن ينتهي في مراتب استكمالاته واشتداده إلي شئ من أفراد النوع الآخر فالابصار إذا اشتد لا يصير تخيلا مثلا، ولا التخيل إذا اشتد يصير تعقلا ولا بالعكس، نعم إذا اشتد التخيل تصير مشاهدة ورؤية بعين الخيال لا بعين الحس، و كثيرا ما يقع الغلط من صاحبه أنه رأى بعين الخيال أم بعين الحس الظاهر، كما يقع