بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٩
للمبرسمين والمجانين، وكذا التعقل إذا اشتد يصير مشاهدة قلبية ورؤية عقلية، لا خيالية ولا حسية، وبالجملة الاحساس والتخيل والتعقل أنواع متقابلة من المدارك كل منها في عالم آخر من العوالم الثلاثة، ويكون تأكد كل منها حجابا مانعا عن الوصول إلى الآخر، فإذا تمهد هذا فنقول: اتفق الجميع أن المعرفة من جهة الرؤية أمر ضروري، وأن رؤية الشئ متضمنة لمعرفته بالضرورة، بل الرؤية بالحس نوع من المعرفة، فإن من رأي شيئا فقد عرفه بالضرورة، فإن كان الايمان بعينه هو هذه المعرفة التي مرجعها الادراك البصري والرؤية الحسية فلم تكن المعرفة العلمية التي حصلت للانسان من جهة الاكتساب بطريق الفكر والنظر إيمانا لأنها ضده، لأنك قد علمت أن الاحساس ضد التخيل، وأن الصورة الحسية ضد الصورة العقلية فإذا لم يكن الايمان بالحقيقة مشتركا بينهما، ولا أمرا جامعا لهما لثبوت التضاد وغاية الخلاف بينهما، ولا جنسا مبهما بينهما غير تام الحقيقة المتحصلة كجنس المتضادين مثل اللونية بين نوعي السواد و البياض لان الايمان أمر محصل وحقيقة معينة، فهو إما هذا وإما ذاك فإذا كان ذاك لم يكن هذا، وإن كان هذا لم يكن ذاك ثم ساق الدليل إلى آخره كما مر، ولا يخفى أن شيئا من الوجوه لا يخلو من تكلفات إما لفظية وإما معنوية، ولعله عليه السلام بنى ذلك على بعض المقدمات المقررة بين الخصوم في ذلك الزمان إلزاما عليهم كما صدر عنهم كثير من الاخبار كذلك، والله تعالى يعلم وحججه حقائق كلامهم عليهم السلام.
تذييل: اعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله تعالى على أقوال فذهبت الإمامية والمعتزلة (1)

(1) ويسمون أصحاب العدل والتوحيد، وافترقت المعتزلة عشرين فرقة: الواصلية، و العمروية، والهذيلية، والنظامية، والاسوارية، والمعمرية، والإسكافية، والجعفرية - أصحاب جعفر بن حرب الثقفي المتوفى سنة 234 ه‍ وجعفر بن مبشر الهمداني المتوفى سنة 236 ه‍ - والبشرية، والمردارية والهشامية - أصحاب هشام بن عمر الفوطي - والثمامية، والجاحظية، والحياطية، وأصحاب صالح بن قبة، والمريسية، والشحامية، والكعبية، والجبائية، والبهشمية - المنسوبة إلى أبى هاشم الجبائي والذي يعم جميع فرقهم من الاعتقاد القول: بأن الله قديم، والقدم أخص وصف ذاته، ونفوا الصفات القديمة أصلا فقالوا: هو عالم لذاته، قادر لذاته، حي لذاته، لا بعلم وقدرة وحياة، هي صفات قديمة ومعان قائمة به. وبأن كلامه محدث مخلوق في محل وهو حرف وصوت. كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه وبأن الإرادة والسمع والبصر ليست بمعان قائمة بذاته، واختلفوا في وجوه وجودها ومحامل معانيها. وبأن رؤية الله تعالى مستحيلة في الدنيا والآخرة، ونفوا عنه التشبيه من كل جهة مكانا وصورة وجسما وتحيزا وانتقالا وزوا لا وتغيرا وتأثرا، وبأن العبد قادر لأفعاله خيرها وشرها، مستحق على ما يفعله ثوابا وعقابا في الآخرة، والرب تعالى منزه من أن يضاف إليه شر وظلم.
وبأنه تعالى لا يفعل الا الصلاح والخير. وبأن أصول المعرفة وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع، والحسن والقبيح يجب معرفتهما بالعقل واعتناق الحسن واجتناب القبيح واجب كذلك وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى. وغير ذلك مما اتفقوا عليه واختلفوا كل واحد من فرقهم في أمور ذكرت في مظانها. وسموا بالمعتزلة لان واصل بن عطا لما قال بمقالة المنزلة بين المنزلتين وأن صاحب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر وتفرد بهذه المقالة خلافا لأستاذه الحسن البصري واعتزل عنه إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ذلك على جماعة من أصاب الحسن فقال الحسن: اعتزل عنا واصل فسمى هو وأصحابه معتزلة، وقيل في وجه التسمية غير ذلك أيضا.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * (أبواب تأويل الآيات والاخبار الموهمة لخلاف ما سبق) * باب 1 تأويل قوله تعالى: خلقت بيدي، وجنب الله، ووجه الله، ويوم يكشف عن ساق، وأمثالها، وفيه 20 حديثا. 1
3 باب 2 تأويل قوله تعالى: ونفخت فيه من روحي، وروح منه، وقوله صلى الله عليه وآله: خلق الله آدم على صورته، وفيه 14 حديثا. 11
4 باب 3 تأويل آية النور، وفيه سبعة أحاديث. 15
5 باب 4 معنى حجرة الله عز وجل، وفيه أربعة أحاديث. 24
6 باب 5 نفي الرؤية وتأويل الآيات فيها، وفيه 33 حديثا. 26
7 * (أبواب الصفات) * باب 1 نفي التركيب واختلاف المعاني والصفات، وأنه ليس محلا للحوادث والتغييرات، وتأويل الآيات فيها، والفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال، وفيه 16 حديثا. 62
8 باب 2 العلم وكيفيته والآيات الواردة فيه، وفيه 44 حديثا. 74
9 باب 3 البداء والنسخ، وفيه 70 حديثا. 92
10 باب 4 القدرة والإرادة، وفيه 20 حديثا. 134
11 باب 5 أنه تعالى خالق كل شيء، وليس الموجد والمعدم إلا الله تعالى وأن ما سواه مخلوق، وفيه خمسة أحاديث. 147
12 باب 6 كلامه تعالى ومعنى قوله تعالى: قل لو كان البحر مدادا، وفيه أربعة أحاديث. 150
13 * أبواب أسمائه تعالى وحقائقها وصفاتها ومعانيها * باب 1 المغايرة بين الاسم والمعنى وأن المعبود هو المعنى والاسم حادث، وفيه ثمانية أحاديث. 153
14 باب 2 معاني الأسماء واشتقاقها وما يجوز إطلاقه عليه تعالى وما لا يجوز، وفيه 12 حديثا. 172
15 باب 3 عدد أسماء الله تعالى وفضل إحصائها وشرحها، وفيه ستة أحاديث. 184
16 باب 4 جوامع التوحيد، وفيه 45 حديثا. 212
17 باب 5 إبطال التناسخ، وفيه أربعة أحاديث. 320
18 باب 6 نادر، وفيه حديث. 322