المتفكرين جحده لان من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن فلا مدفع لقدرته، الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله، (1) الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك، وعن بينة نجا من نجا، ولله الفضل مبدءا ومعيدا، ثم إن الله - وله الحمد - افتتح الكتاب بالحمد لنفسه، وختم أمر الدنيا ومجئ الآخرة (2) بالحمد لنفسه فقال: " وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين " الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثيل، والمستوي على العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم وليس له حد ينتهى إلى حده، ولاله مثل فيعرف بمثله، ذل من تجبر عنه، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شئ والآخر بعد كل شي، ولا يعدله شئ، (3) الظاهر على كل شئ بالقهر له، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لامسة، ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو الحكيم العليم، أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، (4) ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه، ابتداء ما أراد ابتداءه، وأنشأ ما أراد إنشاءه، على ما أراد من الثقلين: الجن والإنس لتعرف بذلك ربوبيته، ويمكن فيهم طواعيته.
نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها، ونستهديه لمراشد أمورنا، ونعوذ به من سيئات أعمالنا، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا، ونشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالحق دالا عليه، وهاديا إليه فهدانا به من الضلالة، واستنقذنا به من الجهالة، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ونال