بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٧٧
يشاهد قلبه اليقين بأنه لا ند له، وكأنه لم يسمع بتبرئ التابعين من المتبوعين، وهم يقولون: " تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين " فمن ساوى ربنا بشئ فقد عدل به، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيناته، لأنه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا، وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا، (1) المنشئ أصناف الأشياء بلا روية احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، (2) ولا تجربة أفادها من مر حوادث الدهور، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور، الذي لما شبهه العادلون بالخلق المبعض المحدود في صفاته، ذي الأقطار والنواحي المختلفة في طبقاته، وكان عز وجل الموجود بنفسه لا بأداته، انتفى أن يكون قدروه حق قدره " فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد، وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد: " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " فما ذلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته، وائتم به، واستضئ بنور هدايته، فإنها نعمة وحكمة أوتيتهما، فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله عز وجل، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.
واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام (3) في السدد المضروبة دون الغيوب، فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فقالوا: " آمنا به كل من عند ربنا " فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا، .

(1) الحواصل جمع الحوصلة، هي من الطائر بمنزلة المعدة من الانسان: والرويات جمع الروية:
النظر والتفكر في الأمور، والهمم جمع الهمة: العزم القوى.
(2) القريحة: الطبع. وملكة يقتدر بها على الإجادة في نظم الشعر وانشاء الخطب ونحوه، الغريزة: الطبيعة، وأضمر الامر: أخفاه، وأضمر في نفسه شيئا: عزم عليه.
(3) اقتحم المنزل: هجمه، الامر: رمى نفسه فيه بشدة ومشقة.
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * (أبواب تأويل الآيات والاخبار الموهمة لخلاف ما سبق) * باب 1 تأويل قوله تعالى: خلقت بيدي، وجنب الله، ووجه الله، ويوم يكشف عن ساق، وأمثالها، وفيه 20 حديثا. 1
3 باب 2 تأويل قوله تعالى: ونفخت فيه من روحي، وروح منه، وقوله صلى الله عليه وآله: خلق الله آدم على صورته، وفيه 14 حديثا. 11
4 باب 3 تأويل آية النور، وفيه سبعة أحاديث. 15
5 باب 4 معنى حجرة الله عز وجل، وفيه أربعة أحاديث. 24
6 باب 5 نفي الرؤية وتأويل الآيات فيها، وفيه 33 حديثا. 26
7 * (أبواب الصفات) * باب 1 نفي التركيب واختلاف المعاني والصفات، وأنه ليس محلا للحوادث والتغييرات، وتأويل الآيات فيها، والفرق بين صفات الذات وصفات الأفعال، وفيه 16 حديثا. 62
8 باب 2 العلم وكيفيته والآيات الواردة فيه، وفيه 44 حديثا. 74
9 باب 3 البداء والنسخ، وفيه 70 حديثا. 92
10 باب 4 القدرة والإرادة، وفيه 20 حديثا. 134
11 باب 5 أنه تعالى خالق كل شيء، وليس الموجد والمعدم إلا الله تعالى وأن ما سواه مخلوق، وفيه خمسة أحاديث. 147
12 باب 6 كلامه تعالى ومعنى قوله تعالى: قل لو كان البحر مدادا، وفيه أربعة أحاديث. 150
13 * أبواب أسمائه تعالى وحقائقها وصفاتها ومعانيها * باب 1 المغايرة بين الاسم والمعنى وأن المعبود هو المعنى والاسم حادث، وفيه ثمانية أحاديث. 153
14 باب 2 معاني الأسماء واشتقاقها وما يجوز إطلاقه عليه تعالى وما لا يجوز، وفيه 12 حديثا. 172
15 باب 3 عدد أسماء الله تعالى وفضل إحصائها وشرحها، وفيه ستة أحاديث. 184
16 باب 4 جوامع التوحيد، وفيه 45 حديثا. 212
17 باب 5 إبطال التناسخ، وفيه أربعة أحاديث. 320
18 باب 6 نادر، وفيه حديث. 322