إرادتهم في إرادته تعالى، ومثلهم كمثل الحواس للانسان كلما هم بأمر محسوس امتثلت الحواس لما هم به فكل كتابة تكون في هذه الألواح والصحف فهو أيضا مكتوب لله عز وجل بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأول فيصح أن يوصف الله عز وجل نفسه بأمثال ذلك بهذا الاعتبار، وإن كان مثل هذه الأمور يشعر بالتغير والسنوح، وهو سبحانه منزه عنه، فإن كل ما وجد فهو غير خارج عن عالم ربوبيته.
الثالث: ما ذكره بعض المحققين (1) حيث قال: تحقيق القول في البداء أن الأمور كلها عامها وخاصها، ومطلقها ومقيدها، وناسخها ومنسوخها، ومفرداتها ومركباتها، وإخباراتها وإنشاءاتها، بحيث لا يشذ عنها شئ منتقشة في اللوح، والفائض منه على الملائكة والنفوس العلوية والنفوس السفلية قد يكون الامر العام المطلق أو المنسوخ حسب ما تقتضيه الحكمة الكاملة من الفيضان في ذلك الوقت، ويتأخر المبين إلى وقت تقتضي الحكمة فيضانه فيه، وهذه النفوس العلوية وما يشبهها يعبر عنها بكتاب المحو والاثبات، والبداء عبارة عن هذا التغيير في ذلك الكتاب.
الرابع: ما ذكره السيد المرتضى رضوان الله عليه في جواب مسائل أهل الري وهو أنه قال: المراد بالبداء النسخ، وادعى أنه ليس بخارج عن معناه اللغوي. (2) أقول: هذا ما قيل في هذا الباب وقد قيل فيه: وجوه أخر لا طائل في إيرادها، والوجوه التي أوردناها بعضها بمعزل عن معنى البداء وبينهما كما بين الأرض والسماء، وبعضها مبنية على مقدمات لم تثبت في الدين بل ادعي على خلافها إجماع المسلمين، وكلها يشتمل على تأويل نصوص كثيرة بلا ضرورة تدعو إليه، وتفصيل القول في كل منها يفضي إلى الاطناب، ولنذكر ما ظهر لنا من الآيات والاخبار بحيث تدل عليه النصوص الصريحة وتأبى عنه العقول الصحيحة.
فنقول - وبالله التوفيق -: إنهم عليهم السلام إنما بالغوا في البداء ردا على اليهود الذين